إذا رأيت نيوبَ الديمقراطية بارزةً
يُجمع أولو العلم السياسي على أنَّ الديمقراطية أحسن النظم السيئة لحكم الشعوب، أو أنَّ مساوئها أفضل من محاسن الديكتاتورية. هناك قولٌ شهيرٌ في تعريف الاستبداد، وهو أنه مثل الدرّاجة، تقع عندما يتوقف الدرّاج عن خفق عجلتيها. الديمقراطية أيضاً مثل الدرّاجة، ولها عجلتان، فهي تصدأ وتشيخ وتحتاج صيانة، مثال ذلك فرنسا "الوهابية" التي حرّمت تصوير الشرطة، والذي أفتى به هو البرلمان المنتخب! وقالوا أيضاً إنَّ الديمقراطية الأميركية طائرة بدون طيار، ولها وقود وقائد عن بعد، وقد كادت أن تسقط بالأمس، لكنها نجت هذه المرّة. الديمقراطية دواء مرٌّ، هي ميدان صراع يُدار بوسائل ناعمة، وأحياناً خشنة. وغالباً ما يدفع "الشرق الأوسط" ثمن الديمقراطيتين، الأميركية والإسرائيلية. جديد الأدلة عقد ترامب مؤتمر تطبيع للاحتفال بعرسه الانتخابي الذي لم يحضره سوى الصعاليك. ولو كانت الديمقراطية بالعدل الذي يشاع عنها لكان لدول الأمم المتحدة أصوات متساوية في السعر السياسي، وما كان لدول مجلس الأمن الخمس حق النقض.
تقول الوقائع والأحداث في قرن إنَّ الديمقراطية محرّمة علينا. ما نقوم به من إجراءات وصناديق و"أعراس" ديمقراطية من غير بناء بالعروس، وإنَّ العريس العربي "الجمهوري" أجبر الملك القديم على طلاق العروس ثم تزوّجها بالإكراه، وقد أيقنّا أن العروس وأولادها المنكوبين يحنّون حنين الناقة إلى أيام الملك القديم.
يُقال أيضاً إنَّ العجلة هي أكبر اختراع ميكانيكي في التاريخ، وإنَّ الصندوق، مربعاً أو مستطيلاً، اختراع سياسي كبير، فنحن بين شكلين من كائنات الهندسة، فإما بين عجلة تدوسنا أو صندوق يستخدم للدفن.
ينظر عامة الناس ونخبتهم وقادتهم إلى أنَّ أميركا مثال الديمقراطية، وهم يخلطون بين قوتها وديمقراطيتها، وبين السينما والواقع، فجواز السفر الأميركي أقوى جواز سفر، وأميركا تفزع لنجدة من يحمل جوازها في الخارج، لكننا رأينا الشرطة الأميركية الفاسدة تقتل أميركيين سودا يحملون جواز سفرها، كأن الخارج مقدّم على الداخل لديها!
انظر إلى القانون الانتخابي المعقّد الذي وضعته نخبتها المؤسسة، حتى تعبث بالنتائج أو تضمن المصائر، فجعلت الانتخاب غير مباشر، عبر المجمّع الانتخابي، حتى إذا فاز "حمارٌ" أبيض ازورّ لونه على "حمارها" الأسود المخطط بالأبيض، زفّ المجمّع الانتخابي العروس بحيلِه الناعمة إلى العريس، والمرشّحان الأميركيان هما من حزبين لا يتعارضان كثيراً، فكلاهما يشبه "حمار" الوحش، هذا "حمار" أسود مخطّط بالأبيض والثاني "حمار" أبيض مخطط بالأسود.
ووجدنا الكويت، بعد اقتحام المعارضة البرلمان عقب انطلاق الربيع العربي، تبادر إلى سَنِّ قانون انتخابي جديد، هو الصوت الواحد بدلاً من الأصوات الأربعة في القائمة الانتخابية، فاضطرّ المنتخب إلى انتخاب ممثل عشيرته، فشردت المعارضة، مع إقرارنا بأنَّ الكويت متقدّمة على دولٍ تصفُ نفسها بالجمهورية، فهي تبيح اختيار ابن القبيلة، في حين أنَّ مصر وسورية لا تبيحان انتخاب سوى ابن الهبيلة. السعودية ليس فيها انتخابات، فهي رجس من عمل الشيطان.
أمّا الانتخابات الرئاسية المصرية، فالرئيس حسني مبارك اختار منافساً ضعيفاً مثل أيمن نور عندما أمره أسياده، أو لطيفاً مثل حمدين صباحي، أو ظريفاً مثل موسى مصطفى موسى في ظلِّ عبد الفتاح السيسي الوارف. وكان الرئيس السوري، حافظ الأسد، وهو ملكُ بلقب رئيس، قد استورد مصطلحاً اسمه الديمقراطية الشعبية من مستودعات الدول الاشتراكية الآفلة، يقيم استفتاء كل بقرة، والبقرة مصطلحٌ زمني، يعني سبع سنوات عجاف، ينتخب بها السيد الثور المعارضين الذين يتجرأون على الكفر بالبقرة المقدّسة، ثم وجد ابنه الوريث الجمهوري، بعد دستوره الذي فصّله على قياس قدمه، أن يحذو حذو الثور المصري، فجعل للزفّة شاهدَين، لطيفا وظريفا.
جرت انتخابات ديمقراطية مرتين في العالم العربي حسب معلوماتي، أشرف عليها مراقبون دوليون، انتخب الشعب الفلسطيني مجلساً تشريعياً بأغلبيةٍ إسلامية مرّة. وانتخب في الثانية الشعب المصري رئيساً من التيار الإسلامي، فتدخّل الغرب فوراً لعلاج الخطأ الطبي، ففتح بطن المريض من أجل تغيير القلب. وكانت الحصيلة أن عوقبت غزة بالحصار، وعوقبت مصر بزوج انتصار.
كتب مؤرّخون وفقهاء كثيراً في نقد مقولة المستبدّ العادل، وحكم المتغلّب، وسمّي بأدب الملوك، وأدب المرايا، والواقع يقرُّ بقانون حكم المتغلب، وإنْ تغيرت أسماؤه ووسائله.