إسرائيل في الاتحاد الأفريقي
لا يبعث خبر منح إسرائيل صفة عضوٍ مراقبٍ في الاتحاد الأفريقي (55 دولة)، الخميس الماضي، رغبةً في الاكتراث به. يبدو تقليديا وبالغ العادية، وإنْ سعت دولة الاحتلال إلى هذه العضوية، وبهذه الصفة، منذ نحو عشرين عاما، مع قيام الاتحاد الذي ورث منظمة الوحدة الأفريقية التي كانت إسرائيل تُحرز فيها عضوية المراقب هذه، ثم امتنعت دولٌ وازنةٌ ومؤثرةٌ في القارّة الأفريقية عن انتقال هذه العضوية "أوتوماتيكيا" إلى الاتحاد. ومع تمتّع إسرائيل بعلاقات دبلوماسية وسياسية مع 46 دولة في أفريقيا، ومع حيازتها تحالفاتٍ وثيقةً لها مع كثير من هذه الدول، ومع بلوغ التعاون معها مرتبةً متقدّمةً في مجالات الأمن وبيع السلاح والاستخبارات و"مكافحة الإرهاب"، فضلا عن العلاقات الواسعة في مجالاتٍ تنمويةٍ وزراعيةٍ وتجارية، فإن لسائلٍ أن يسألَ عن الداعي الذي يجعل حكومات إسرائيل حريصةً على العضوية التي فقدتها ثم استعادتها أخيرا. وفي الوسع أن يجتهد واحدُنا فيجيب إن الاتحاد الأفريقي تصدُر عنه بياناتٌ دوريةٌ، لفظيةٌ وشكليةٌ (على أهميتها أحيانا) في دعم إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، ومن ذلك صدور تصريحاتٍ عن مفوضيته، إبّان إشهار صفقة ترامب نتنياهو، تنتقدها بشدّة، وتؤشّر إلى تعريض تلك الصفقة بحقوق الشعب الفلسطيني. ومع أمرٍ كهذا، وبقاء الاتحاد على مواقف تقليدية حسنة بشأن القدس والاستيطان وحل الدولتين، يصير طبيعيا أن تنشط إسرائيل سنواتٍ من أجل مقعد في هذا المنتظم الأفريقي، وإنْ كانت لا تقع في القارّة السمراء، سيما أن دولة فلسطين تُحرز مقعد العضو المراقب، وهي ليست في القارّة أيضا.
من عاديّ الأحوال أيضا أن يُسرف وزير خارجية إسرائيل، يئير لبيد، في التعبير عن البهجة بحدث العضوية الجديد هذا، فيقول إنه يوم "احتفالٍ" بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية، بل أن يرى المقعد المستعاد "تصحيحا للوضع الشاذّ الذي كان قائما منذ نحو عقدين"، بتعبيره. وفي الوقت نفسه، لا تُصادف تصريحا عربيا يعقّب بامتعاضٍ (أو استياء) من الواقعة الإفريقية هاته. ذلك أن الحقائق العربية الماثلة ستجعل تصريحا كهذا لو نطق به أي مسؤول عربي، أو موظفٌ رفيع (أو غير رفيع) في جامعة الدول العربية، كاريكاتيريا، ذلك أن نصف العرب أفارقة (من المهم ألا تُنسى هذه البديهية)، وأن دولتين عربيتين كبريين في القارّة، السودان والمغرب، أقدمتا، في وداع رئاسة دونالد ترامب الولايات المتحدة، على إقامة علاقاتٍ طبيعيةٍ مع دولة الاحتلال، ثم تتابعت الأنباء عن زياراتٍ واتفاقياتٍ متبادلة، لغير قليلٍ منها طابع أمني (مخابراتي بوليسي على الأصح)، بل إن وفودا من الاستخبارات والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتقاطر إلى الخرطوم، في زياراتٍ غير معلنة، ولا تعرف بشأنها شيئا الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك، وتقصُر محادثاتها مع قيادات المكون العسكري النافذ في مجلس السيادة. ووقائع سودانية ومغربية، في موازاتها تحالفاتٌ إماراتيةٌ مع إسرائيل، وأخرى ذيليةٌ بحرينية، لا تجعل لأي انتقاد عربي رسمي لانضمام الدولة العبرية إلى الاتحاد الأفريقي عضوا آذانا تسمعه.
وأيا كان الحال، فإن واقعة الخميس الماضي الأفريقية هاته تُحسَب من تمثيلات مسيرةٍ موصولةٍ بتفاصيل غزيرة بشأن العلاقات الإسرائيلية مع دول القارّة السمراء، منها، تعجّلا هنا، أن هذه العلاقات كانت تتسارع مع تسارع تدهور الحال العربي، وتآكل ما سمّي "التضامن العربي"، أو الحسّ العربي الرسمي الواحد. كانت كل الدول الأفريقية تستشعر حرجا باهظا لو ذاع خبر، صحيحٌ أو غير صحيح، عن أي تواصل مع دولة الاحتلال من أي نوع، بعد حرب 1967 وسيما بعد حرب 1973، وإن كانت ثمّة علاقات سرية، متقدّمة، مع بعض هذه الدول، حتى إذا صارت "كامب ديفيد" الساداتية في 1978، بتنا في واردٍ آخر. ثم لمّا استجدّت اتفاقيات أوسلو، وتردّى الوضع العربي إلى ما أخذه إلى القيعان الراهنة، باتت المجاهرة بالعلاقات الوثيقة مع إسرائيل بديهية، سيما أن دولا أفريقية كانت تسدّد فواتير خدماتٍ أمنيةٍ وتسليحيةٍ قدّمتها لها دولة الاحتلال في غضون قلاقل وتمرّدات واضطرابات. وفي البال أن دولة جنوب السودان بادرت، فور قيامها في عام 2011، إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تل أبيب. أما عن إثيوبيا وكينيا وأوغندا وأريتريا وتشاد فملف هذه العلاقات ثقيل التفاصيل، وشديد الخطورة على ما سمّيناه طويلا "الأمن القومي العربي".