01 نوفمبر 2024
إطلالة جريئة لجنرال مهزوز
يضرب عبد الفتاح السيسي يمينًا ويسارًا، يمضي بجرّافته داهسًا رقاب الجميع، يحبس خريطة البلاد في خزانته الخاصة، ويحدّد إقامة العباد، لا فرق بين ناشط معارض ووزير في حكومته.
قبل عام، كان السيسي يصنع مشاهد مثيرة، يطلّ معها في صورة ملك الغابة الذي لا يقدر على جبروته أحد، فبضربةٍ واحدةٍ التهم رئيس الأركان السابق، الفريق سامي عنان، ورئيس وزراء حكومة حسني مبارك الأخيرة، الفريق أحمد شفيق، حين تجاسر كل منهما معلنا نفسه مرشحًا محتملًا لمنافسة السيسي فيما تسمّى انتخاباتٍ رئاسية، ثم استدار ليبتلع كل من ظهر معهما، في هامش الصورة، المستشار هشام جنينة، الذي ارتبط اسمه بالفريق عنان، نائبًا محتملًا لمرشح محتمل، حتى الصحافي الشاب الذي أجرى حوارًا مع جنينة، ابتلعه ظلام الزنازين.
ومنذ ذلك الوقت، عرفت مصر تصاعدًا غير مسبوقٍ في معدلات البطش والافتراس، بعد صناعة تلك اللقطة المثيرة التي ظهر فيها السيسي في هيئة "سوبرمان" قاهرٍ للجميع، أو ملك الغابة، فيما تبعثر المعسكر المحسوب على الثورة بين من يطالبك بدعم شفيق، ثم عنان، بمبرّر "جواز أكل الميْتة" عند الهلاك، وترديد شعارات فتح المجال العام، إلى آخر هذه المعلبات المبهرة التي انتهت صلاحيتها قبل أن تُطرح للاستهلاك، إذ أغمض الجميع عينيه وصم أذنيه عن حقيقة بازغة تقول إنه لا توجد انتخابات أصلاً.
الآن، تتكرّر الحكاية مع ما يراد تصويره على أنه معركة منع تغيير الدستور، بوصفها معركة الأمة، فيرد السيسي بقرار رئاسي يمنع رئيس الحكومة والوزراء وشيخ الأزهر من الحركة إلا بإذنه، ثم يصطاد المعارض البارز حمدين صباحي ببلاغٍ من محام صغير، يتهمه بالتحريض على هدم النظام والتحريض على الدولة، فيرتجف آخرون، وينخفضوا بسقف أحلامهم إلى استرحام الجنرال الفتّاك للعفو عن المسجونين والمعتقلين السياسيين، احتفالًا بذكرى ثورة يناير، التي يعتبرها نظام السيسي العدو الأول والخطر الأكبر.
وأمام هذه الرجفة، وبصدد هذا الانخفاض بسقف الأحلام، يُمعن السيسي في إطلالته الجريئة، على طريقة نجوم المهرجانات ونجماتها، مستمتعًا بلعبة "الصدمة والترويع" فيبعث الرسائل مجدّدًا، عن طريق كاتب أحلامه وأفكاره: مطلوب فترة انتقالية تمتد عشر سنوات على الأقل، كي يبدأ في الإصلاح السياسي بطريقته الخاصة، و"يحرث الأرض في الفضاء السياسي"، حسب التعبير المفرط في ركاكته وسخريته لناشر الرسالة.
العرض التجاري المقدّم من السيسي إلى ما تسمّى القوى السياسية المدنية هذه المرّة، يتضمّن "إضافة مادة إلى الدستور ولتكن بديلة عن مادة العدالة الانتقالية المريبة، تضاف إلى المادة التي تحظر قيام أحزاب دينية، وتنص على حظر وجود جماعة الإخوان المسلمين في صورة أحزاب أو جمعيات أو تنظيمات أو تحت أي مسمّى، ويمكن الاستنارة في ذلك بالحظر الساري على الأحزاب النازية في أوروبا وبالذات في ألمانيا".
هكذا يحدّد السيسي شروطه للسماح للمعارضة الداجنة بالبقاء على قيد الحياة، والتقاط ما يُلقى لها من حبٍّ على أطراف حظيرة الفاشية الجديدة، لتعمل معه ضد "النازية/ الإخوانية".
والشاهد أن هذا العرض لا يحمل جديدًا، فهو ليس إلا بعثًا لتلك المعادلة المهلكة التي تأسّس عليها مشروع الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 إقصاءً وإبادةً لطرفٍ أصيلٍ في ثورة يناير، مقابل السماح للأطراف الأخرى بالحياة في الهامش الذي يقرّره الجنرال المرتعش من أية بادرةٍ تشي بأن ثمّة إدراكًا لأهمية استعادة كيمياء الثورة.
يضع هذا الأمر المعارضة المستهدفة بخطابه أمام اختبار مصيري آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها جربت هذه الصيغة على مدار خمس سنوات، فلم تحصل لذاتها إلا على التنكيل والتشويه والاغتيال المادي والمعنوي، فيما دخل الوطن كله مفرمةً سحقت خرائطه الجغرافية والمجتمعية. وفي المحصلة لم يكسب أحد، إلا عدو تاريخي بات متحكمًا في مفاصل الدولة المصرية الآن، فهل تدخل الجحر ذاته مرتين؟
قبل عام، كان السيسي يصنع مشاهد مثيرة، يطلّ معها في صورة ملك الغابة الذي لا يقدر على جبروته أحد، فبضربةٍ واحدةٍ التهم رئيس الأركان السابق، الفريق سامي عنان، ورئيس وزراء حكومة حسني مبارك الأخيرة، الفريق أحمد شفيق، حين تجاسر كل منهما معلنا نفسه مرشحًا محتملًا لمنافسة السيسي فيما تسمّى انتخاباتٍ رئاسية، ثم استدار ليبتلع كل من ظهر معهما، في هامش الصورة، المستشار هشام جنينة، الذي ارتبط اسمه بالفريق عنان، نائبًا محتملًا لمرشح محتمل، حتى الصحافي الشاب الذي أجرى حوارًا مع جنينة، ابتلعه ظلام الزنازين.
ومنذ ذلك الوقت، عرفت مصر تصاعدًا غير مسبوقٍ في معدلات البطش والافتراس، بعد صناعة تلك اللقطة المثيرة التي ظهر فيها السيسي في هيئة "سوبرمان" قاهرٍ للجميع، أو ملك الغابة، فيما تبعثر المعسكر المحسوب على الثورة بين من يطالبك بدعم شفيق، ثم عنان، بمبرّر "جواز أكل الميْتة" عند الهلاك، وترديد شعارات فتح المجال العام، إلى آخر هذه المعلبات المبهرة التي انتهت صلاحيتها قبل أن تُطرح للاستهلاك، إذ أغمض الجميع عينيه وصم أذنيه عن حقيقة بازغة تقول إنه لا توجد انتخابات أصلاً.
الآن، تتكرّر الحكاية مع ما يراد تصويره على أنه معركة منع تغيير الدستور، بوصفها معركة الأمة، فيرد السيسي بقرار رئاسي يمنع رئيس الحكومة والوزراء وشيخ الأزهر من الحركة إلا بإذنه، ثم يصطاد المعارض البارز حمدين صباحي ببلاغٍ من محام صغير، يتهمه بالتحريض على هدم النظام والتحريض على الدولة، فيرتجف آخرون، وينخفضوا بسقف أحلامهم إلى استرحام الجنرال الفتّاك للعفو عن المسجونين والمعتقلين السياسيين، احتفالًا بذكرى ثورة يناير، التي يعتبرها نظام السيسي العدو الأول والخطر الأكبر.
وأمام هذه الرجفة، وبصدد هذا الانخفاض بسقف الأحلام، يُمعن السيسي في إطلالته الجريئة، على طريقة نجوم المهرجانات ونجماتها، مستمتعًا بلعبة "الصدمة والترويع" فيبعث الرسائل مجدّدًا، عن طريق كاتب أحلامه وأفكاره: مطلوب فترة انتقالية تمتد عشر سنوات على الأقل، كي يبدأ في الإصلاح السياسي بطريقته الخاصة، و"يحرث الأرض في الفضاء السياسي"، حسب التعبير المفرط في ركاكته وسخريته لناشر الرسالة.
العرض التجاري المقدّم من السيسي إلى ما تسمّى القوى السياسية المدنية هذه المرّة، يتضمّن "إضافة مادة إلى الدستور ولتكن بديلة عن مادة العدالة الانتقالية المريبة، تضاف إلى المادة التي تحظر قيام أحزاب دينية، وتنص على حظر وجود جماعة الإخوان المسلمين في صورة أحزاب أو جمعيات أو تنظيمات أو تحت أي مسمّى، ويمكن الاستنارة في ذلك بالحظر الساري على الأحزاب النازية في أوروبا وبالذات في ألمانيا".
هكذا يحدّد السيسي شروطه للسماح للمعارضة الداجنة بالبقاء على قيد الحياة، والتقاط ما يُلقى لها من حبٍّ على أطراف حظيرة الفاشية الجديدة، لتعمل معه ضد "النازية/ الإخوانية".
والشاهد أن هذا العرض لا يحمل جديدًا، فهو ليس إلا بعثًا لتلك المعادلة المهلكة التي تأسّس عليها مشروع الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 إقصاءً وإبادةً لطرفٍ أصيلٍ في ثورة يناير، مقابل السماح للأطراف الأخرى بالحياة في الهامش الذي يقرّره الجنرال المرتعش من أية بادرةٍ تشي بأن ثمّة إدراكًا لأهمية استعادة كيمياء الثورة.
يضع هذا الأمر المعارضة المستهدفة بخطابه أمام اختبار مصيري آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها جربت هذه الصيغة على مدار خمس سنوات، فلم تحصل لذاتها إلا على التنكيل والتشويه والاغتيال المادي والمعنوي، فيما دخل الوطن كله مفرمةً سحقت خرائطه الجغرافية والمجتمعية. وفي المحصلة لم يكسب أحد، إلا عدو تاريخي بات متحكمًا في مفاصل الدولة المصرية الآن، فهل تدخل الجحر ذاته مرتين؟