إقصاء "الإخوان" مقابل دمج إسرائيل
لا تترحم على أيام حسني مبارك، ولا ترك نفسك لمحاولات تصنيع حنين زائف، وحالة نوستالجيا فاسدة، لتلك الأيام التي كان فيها مبارك يفعل كل ما تطلبه إسرائيل، من دون أن ينحني، أو ينبطح، ظاهرياً.
لا فرق عندي بين انبطاحٍ بالقلب وانبطاح بالجسد، ولا اختلاف بين انحناء الظهر وانحناء الروح، ففي الحالتين هناك قابلية للامتطاء، واستجابة للانحطاط، أمام إرادة عدو للشعوب، بات يتحكّم في حكامها، ويستحوذ على حقوق إدارتهم.
لا يقدم عبد الفتاح السيسي لإسرائيل أكثر مما قدمه حسني مبارك، كلاهما تخصّص في صناعة البهجة لها، وليس مهماً هنا أن يصنع أحدهم "عجين الفلاحة" فيبهج، أو أن يؤدي سابقه دور الخصم العنيد في العلن، بينما هو ولي حميم في الواقع.
ما الذي تغير إذن؟
الذي تغير أن إسرائيل باتت على ثقةٍ بأنه لم يعد ثمة رد فعل على ما تفعله، وضمنت أن خطة تخليق "المواطن الوغد" قد نجحت، عن طريق رجلها الذي صنعت له انقلاباً ناجحاً على السلطة في مصر، وأن ما زرعته، ولم تبخل عليه بالحماية، في يونيو/ حزيران 2013 قد أينع وأثمر، وها هو الحصاد يتساقط تحت أقدامها، فتسعى إلى تحقيق كل أحلامها في السيطرة والهيمنة والعلو.
أنجز السيسي مشروع اصطفافه مع إسرائيل، ضمن حزمة المنبطحين، بالوراثة، من عرب السلام الساخن، فيما لم تنجز الثورة المصرية، أو حتى المعارضة، مشروع اصطفافها في مواجهة أخطر لحظة تمر على الصراع العربي الإسرائيلي.
ومنذ البداية حدّد السيسي، ورعاته، أهدافهم، بالدقة والوضوح اللازميْن لإنجاح مشروعهم: توسيع علاقات التصالح مع الصهاينة، وتضييق مساحات التعايش مع "الإخوان" الذين يجري إحلالهم، تبعاً لهذه الكيمياء، في خانة العدو الاستراتيجي للمشروع السيسي، في مقابل نقل إسرائيل إلى خانة الحليف، أو الصديق على الأقل.
وفي ذلك، لن تجد تفاوتاً كبيراً بين خطاب بعض النخب المصرية، بشأن الأخوان، وخطاب صهيوني عتيد، مثل آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام) الذي أعلن، بكل فخر، أن إسرائيل أنفقت المليارات لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين، التي يقول عنها إنها "استولت على الحكم"، و"ركبت ثورة الشبان الليبراليين".
هدا الخطاب ستجده ممصّراً على لسان قيادات "المصريين الأحرار"، الحزب الذي أنشأه نجيب ساويرس، ثم تم شلحه منه، عندما كانوا يباهون بكفاحهم، بالمال والإعلام، من أجل إنجاح مشروع 30 يونيو/ حزيران الانقلابي. وفي مقابل هذا الوضوح والحسم، لدى أصحاب مشروع العدو البديل، مضى مشروع الثورة يتخبط في دروب المماحكات، وتسوّل المصالحات، ليس بين أطراف الثورة وبينهم البعض، وإنما بين أطرافٍ منهم وبين سلطة عبد الفتاح السيسي. و بدلا من النضال من أجل مصالحات ثورية، تسمو فوق مهارشات ست سنوات مرت، تجد هرولةً نحو المصالحة مع السيسي، التي هي بالتبعية مصالحة مع إسرائيل، باعتبار أن السيسي هو مشروع إسرائيل الأوْلى بالرعاية والإنفاق والدعم.
قلت سابقا إن معادلة عبد الفتاح السيسي بوضوح هي: كلما أردت الاقتراب من إسرائيل، عليك الابتعاد عن "الإخوان المسلمين". وبالتالي، فإن إقصاء "الإخوان" يساوي إدماج إسرائيل.
ولو رجعت لتصريحاته، بعد لقائه ترامب في نيويورك قبل الانتخابات الأميركية، ستكتشف أن السيسي يعمل بكل تفانٍ وإخلاص من أجل هذه الفكرة، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم "الإخوان" يتعدّى الدائرة المصرية الضيقة، ويمتد ليشمل كل أشكال العداء للاحتلال الإسرائيلي.
هنيئا لإسرائيل بالسيسي، وهنيئاً للسيسي بمعارضةٍ يقتلها الحنين للعودة إلى اللهو في حديقة النظام الخلفية، تشاكسه أحياناً، وتداعبه في أحيان كثيرة.