إيران في الحرب على أوكرانيا
مرحلة جديدة من الحرب الروسية على أوكرانيا تتمثل في تصعيد أكثر عنفا ووحشية من كل المحطّات التي عرفها القتال طوال الأشهر الماضية. ونقطة البداية من تفجير جسر القرم في الثامن من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، الذي حمّلت موسكو كييف المسؤولية عنه، وجاء ردّها فوريا لتغيير طبيعة الحرب، من خلال تعيين قائد روسي جديد لقيادة الجبهات، هو الجنرال سيرغي سوروفيكين، المعروف بأنه من أصحاب نظرية الأرض المحروقة التي سبق له أن طبّقها وأعطت "ثمارها" في الشيشان وحلب. وإحدى مزايا المرحلة الراهنة من الحرب مشاركة الطائرات الانتحارية المسيّرة بوضوح وكثافة شديدين من روسيا، بعد أن كان محدودا في المرحلة السابقة. ومنذ أسبوع والقيادة الأوكرانية ترفع الصوت عاليا، وتنبّه العالم إلى أضرار الطائرات المسيّرة، التي تستخدمها روسيا لإلحاق دمار كبير بالبنى التحتية، وخصوصا محطات الكهرباء والنقل العام.
توجّه القيادة الأوكرانية والولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى إيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيّرة بعد سلسلة إخفاقات وخسائر تعرّض لها الجيش الروسي خلال الشهرين الأخيرين، وتتم في إطار تعويض المخزون من الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى عالية الدقة في إصابة الهدف. ويتحدّث الخبراء منذ حوالي شهر أن روسيا استنفدت القسم الأكبر من مخزونها من الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية عالية الدقة، حتى أنها استخدمت في الآونة الأخيرة صواريخ إس إس 300 المضادّة للطيران كصواريخ أرض أرض لقصف أهداف أرضية. وهناك مشكلة تكمن في عدم قدرة روسيا على سد النقص في حاجات جيشها من هذه الأسلحة، حيث تحول العقوبات دون استيراد مواد خاصة للتصنيع من الخارج، وخصوصا الشرائح الإلكترونية التي تدخل في تصنيع أنظمة التسديد والتوجيه في الصواريخ بعيدة المدى. ويقول خصوم موسكو إن بعض الصواريخ الروسية بعيدة المدى تسقط داخل الأراضي الروسية، بسبب تشغيلها بواسطة أنظمة قديمة، ليست بالدقّة المطلوبة لإصابة أهداف محدّدة.
وإذا صحّت الاتهامات الأوكرانية والأميركية أن إيران تزوّد روسيا بأسلحة مؤثرة في مجرى الحرب، مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية بعيدة المدى، بما يتجاوز 300 كلم، فإن ذلك لن يمرّ ببساطة، وقد شرعت أميركا وأوروبا بإثارة الأمر دوليا وعلى عدة مستويات. ولن يغيّر في المسألة تحجّج طهران بأنها تجارية أو أنها تتم عبر طرف ثالث. والمعادلة هي، طالما أن أميركا وأوروبا تساند أوكرانيا عسكريا، فإن إيران تقف إلى جانب روسيا، وهذا موقفٌ يتجاوز الانحياز أو المساندة لروسيا إلى الانخراط المباشر بالحرب. وفي الأحوال كافة، لا يمكن فصله عن ملفات أخرى، وخصوصا ما وصلت إليه مباحثات الاتفاق النووي والعقوبات المفروضة على إيران. وهنا يمكن التقاط رسالة إيرانية ذات بعدين. الأول، أن دعم طهران موسكو في حرب أوكرانيا يمكن له أن يتطوّر أكثر، ليعزّز من موقع روسيا التي بدأت في الآونة الأخيرة تتكبّد خسائر عسكرية كبيرة، والثاني هو بمثابة إشارة واضحة إلى أن طهران تمتلك أدوات فعالة، من أجل توتير الأجواء والمشاركة في حروب إقليمية ودولية، ويمكن لها أن تشعل جبهاتٍ كثيرة هدأت نسبيا في اليمن، سورية، لبنان، والعراق. وعلى هذا، تعد مشاركة إيران في الحرب على أوكرانيا تحوّلا مهما، وصفحة جديدة في العلاقات مع أميركا وأوروبا، ومن شأنه أن يدفع إلى مراجعة الحسابات الغربية التي قامت منذ عقدين على رهان احتواء إيران، والتعامل معها وفق منطق الترغيب والعقوبات. ومن المؤكّد أن المكان المثالي لمراجعة السياسة الغربية تجاه إيران هو الشرق الأوسط، ومن غير المستبعد أن تشهد المنطقة معادلاتٍ ومواجهاتٍ جديدة. وفي كل الأحوال ستنعكس نتيجة الحرب في أوكرانيا على إيران، سلبا كانت أم إيجابا.