الأسد ممزّقاً بين موسكو وطهران

01 ديسمبر 2024

مقاتلون يحرقون صور بشار الأسد في بلدة الزربة بمحافظة حلب (29/11/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

توقفت مجريات الحرب ضد لبنان في فجر الأربعاء الماضي (27 نوفمبر/ تشرين الثاني)، ولكن حرباً أخرى بدأت مع ساعات صباح اليوم نفسه في أرياف حلب، بقيادة الفصائل المناهضة للسلطة في دمشق، وخلال يومين كانت في حلب. ... كيف حدث كل هذا التقدم، وروسيا وإيران تساندان النظام وتتشاوران مع تركيا عبر منصة أستانا ومباشرةً في كل صغيرة وكبيرة؟

شكّلت الحرب على غزة ولبنان في الأشهر السابقة امتحاناً كبيراً للسلطة في دمشق، وبدا أنّها تبتعد عن طهران، واستدعى ذلك زيارات وازنة لمسؤولين إيرانيين "لإفهام" النظام، أن مصلحته في البقاء في محور المقاومة، وفعلاً، وبعد زيارة وزير خارجيته طهران، أعاد النظام تصريحات تؤكد تموضعه في محور المقاومة، ولكنه، وكعادته، وهو الضعيف للغاية، ظلَّ يناور وتضيّق سلطاته على الأرض على حزب الله وبقية المليشيات. ما كان يرفضه النظام، وبصورة كاملة، إعادة العلاقات مع تركيا، مدفوعاً من إيران، وقد "استجداه" تقريباً الرئيس أردوغان من أجل ذلك. روسيا، المتخوفة من إعادة الدفء بين أردوغان وترامب، والمزعوجة من موقف سلطة دمشق الرافضة أيِّ علاقة جادة مع تركيا، وقد حاولت الدفع والتوسط نحو ذلك، ومع ندرة الطلعات الجوية الروسية ضد تقدم الفصائل، فإن الاستنتاج المنطقي هنا، أن هناك تفاهمات تركية روسية على هذا التقدم. إن التصريحات التركية بأن التقدم هذا لصالح عودة اللاجئين وبما يتوافق مع اتفاقية خفض التصعيد، واستعادة المناطق التي تقدمت لها قوات النظام، وبالضد من الاتفاقية الأخيرة، ومن ثم، هي شرعنة لعمليات "ردع العدوان" الاسم الذي تتقدم تحت رايته الفصائل.

هناك تنسيق روسي مع دولة الاحتلال في فلسطين، ويتضمن أن تلعب روسيا دوراً في إبعاد مليشيات إيران عن الحدود، وعن سورية بعامة، والسماح لقوات الاحتلال الجوية بقصف أيّة أهداف، تراها، تهدّد أمنها ووجودها، والأمر ذاته تعلنه أميركا ودولة الاحتلال؛ نقصد الإبعاد. إعادة حزب الله إلى جنوب الليطاني وتدمير القسم الأكبر من سلاحه، وتدمير المعابر السرية لحزب الله بين سورية ولبنان، ومراقبة الحدود، وكذلك التضييق على الحدود الدولية بين سورية والعراق؛ كلها عناصر دفعت إيران إلى التخفيف من حضورها في سورية، ولديك ذهاب الكثير من المليشيات إلى لبنان أو على الحدود معه في الأشهر الأخيرة؛ إن كل هذه الحيثيات ساعدت في التقدم السريع للفصائل.

الانهيار السريع لقوات السلطة في حلب وجوارها يوضح هشاشتها وضعفها الشديد

صحيحٌ أنَّ طهران أفهمت النظام أنّه بأمس الحاجة إليها، ولكنها تعي جيداً نأيه بنفسه عن محور المقاومة، وهذا عاملٌ إضافيٌّ لعدم المقاومة ضد قوات الفصائل. المقصد، مما حاولنا توضيحه، أن هناك غضباً تركياً وروسياً، بل إيرانياً من النظام، وأنّه أضاع كل الفرص مع كل هذه الدول، خاصة بعد 7 أكتوبر (2023)، ليجد نفسه وحيداً، ولهذا كانت نتائج معارك الأربعاء والخميس حاسمة لصالح الفصائل.

من الهام التأكيد أن من استطاع إعادة النظام إلى حلب وأرياف دمشق وحمص ودرعا ومناطق كثيرة هي الهمجية الروسية بعد 2015، بينما قوات النظام وإيران راحت تترنح حينذاك. إذاً يعي الأسد، أن من يستطيع حمايته الفعلية هي روسيا، وهي من تعاقبه بالتوافق مع تركيا من أجل تنفيذ ما تراه الدولتان، وبعيداً عن الهيمنة الإيرانية المباشرة عليه، والرافضة التقارب مع تركيا.

الجديد الذي لا يجوز تهميشه، بعد اتفاق الهدنة في لبنان، والضغط الأميركي ومن دولة الاحتلال على إيران أن هذا البلد في طريقه إلى ضغوط أشد في الأشهر المقبلة، وسيجد نفسه معنياً بالدفاع عن نفسه، ومن هنا لم يُظهر دفاعاً حقيقياً في المعارك الجارية. هنا لا يمكننا التسليم برأيٍّ مفاده أن إيران باعت الأسد لتنقذ نفسها، ومن ثم، التقدّم يأتي بالتوافق الروسي التركي الإيراني، وربما الأميركي؛ هذا استنتاج يصعب التسليم به.

قد تكون معارك حلب مقدّمة للتغيير السياسي في سورية، ولحل قضايا إقليمية ودولية

الانهيار السريع لقوات السلطة في حلب وجوارها يوضح هشاشتها وضعفها الشديد، وربما ركونها إلى صمت الفصائل عن التمدّد، قبل الاربعاء الفائت، بأن تركيا تتكفل بلجمها. يشير انهيار القوات إلى قوّة الفصائل، وخضوعها لخطة عسكرية متكاملة، وعلى كل الجبهات المفتوحة، وهذا يشير أنّها تمتلك القدرة على الاستيلاء على المدن الثلاث المذكورة أعلاه، وربما سواها. الجدير ذكره أن عملية رد العدوان لاقت قبولاً من فعالياتٍ كثيرة، ومن مختلف المدن السورية. ومن ثم، وعلى أهمية الخطة بخصوص أرياف حلب وإدلب، هي لا تتضمّن مخططاً لبقية المدن، ولا سيما درعا والقنيطرة والسويداء وللضغط على دمشق، وفي الوقت ذاته لم تشهد جبهة الساحل حراكاً عسكرياً في الأيام السابقة. تفيد الملاحظة السابقة بأن العملية ستكون محدودة، وبالتوافق بين تركيا وروسيا خاصة، ومن أجل إعادة اللاجئين، ولكن إمكانية سقوط حلب، وقد وصلت القوات إلى مشارفها، سيعني أن تغييراً سيشمل رسم الخرائط السابقة، وتدخلاً جديداً من كل الدول المتدخلة في سورية.

يفيد الوضع حالياً بأن تركيا تضغط من أجل عودة لاجئين كثيرين، وهم عدّة الملايين، عدا عن سكان المخيمات في الشمال السوري، وهذا سيكون لمصلحة الحكومة التركية، وهو هدف للمعارضين لها، ومن ثم تركيا بأكملها تقف مع تقدّم كهذا وليس من مصلحتها إعادة القيد إلى قوات الفصائل السورية، ولكن هل ستصمت عن وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؟

أصبحت الأمور سائلة الآن، ولم تعد جامدة كما أرادها الروس عبر اتفاقيات خفض التصعيد. لن يمانع الرئيس الأميركي المنتظر ترامب في تمدّد تركيا إلى مناطق "قسد"، كما فعل من قبل، وربما الدفع إلى إيجاد حلٍّ ما للوضع السوري بأكمله، وهذا سيحقّق بدرجة ما شروط دولة الاحتلال في خروج مليشيات إيران من سورية، ولكن هل تسعى روسيا إلى صفقة تخص أوكرانيا وسورية مع ترامب كذلك؟ ومن ثم، قد تكون معارك حلب مقدّمة للتغيير السياسي في سورية، ولحل قضايا إقليمية ودولية.