الأمم المتحدة والمسألة السورية
بذلت الأمم المتحدة جهودا كبيرة من أجل معالجة المسألة السورية منذ عام 2011، وعيّنت، إلى حينه، أربعة مبعوثين، للبحث عن حلّ ديبلوماسي، غير أن درجة الاهتمام الأممي تراجعت تدريجيا، وتغير أسلوب العمل ما بين مبعوث وآخر، في حين أن القضية شهدت خلال 12 عاما تحوّلات ذات وجوه متعدّدة، وتطوّرات ميدانية عاصفة، كانت البداية فيها من لجوء النظام إلى السلاح، وخروج مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية من تحت سيطرته، وبعد ذلك ظهور تشكيلات مختلفة من فصائل عسكرية ضد النظام، أو من أجل مشاريع سياسية خاصة، وتصنيف بعضها تحت بند الإرهاب، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. وتظل مسألة التغيير في الأسلوب السبب في عدم نجاح المنظمة الدولية، ويظهر هذا في اختلاف زوايا النظر إلى المسألة بين أول مبعوث، وهو الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي أنان، والمبعوث الحالي، الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون، وكذلك ما بين المبعوث الثاني، وهو الدبلوماسي العربي الأخضر الإبراهيمي، والمبعوث الثالث الدبلوماسي السويدي استيفان ديمستورا. ومن مبعوث إلى آخر، صارت الأمم المتحدة تعتمد على إدارة الأزمة، وتركّز بصورة أساسية على البعد الإنساني في القضية، بدلا من البحث عن حل سياسي لها، وهو ما يمثل جوهرها كثورة ضد النظام من أجل الحرية.
يختلف الأول عن الثاني والثالث والرابع، ويتمثّل ذلك في منهج البحث عن حلّ، وبينما حاول أنان فرض حل دولي على النظام من خلال النقاط الست وبيان جنيف 1، اشتغل الإبراهيمي على عقد مفاوضات مباشرة، بين النظام وممثلي المعارضة تحت راية الأمم المتحدة في جنيف، لكن هذا الاتجاه انحرف عن مساره الصحيح، بسبب الصفقة التي حصلت بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد استخدام النظام السلاح الكيماوي في الغوطة في أغسطس/ آب 2013، وهو ما عطّل جهود الإبراهيمي، ودفعه إلى الاستقالة بعد أشهر ليحلّ بعده ديمستورا، الذي غير كليا في عمل الامم المتحدة، وأهم ما ميز أسلوبه السير وفق منطق الصفقة الروسية الأميركية، التي فوّضت روسيا بالملف، ولذا صارت خطواته منسّقة ومحسوبة على إيقاع موسكو، التي لم تُبد جدّية في البحث عن حلّ، بل كان هدفها من التعاطي مع الأمم المتحدة كسب الوقت، وتمرير مشروعها الأساسي وهو استعادة الأراضي التي خرجت من تحت سيطرة النظام، وهذا ما وفّرت له فترة ديمستورا غطاء أمميا في المرحلة التي تلت معركة حلب في نهاية عام 2016، وما ترتب عليها من وقف إطلاق نار، جرى في ظله إنهاء وجود الفصائل العسكرية المقاتلة ضد النظام في عدّة جبهات أساسية، مثل أرياف دمشق حلب وحمص.
ومع الوقت، تحول ذلك إلى أسلوب عمل ثابت، يقوم على استرضاء النظام وطلب الموافقة على أي خطوة قبل القيام بها، وبالغ في ذلك المبعوث الحالي غير بيدرسون الذي حلّ في المنصب عام 2018، وصار منهج عمله يعتمد على تفصيل الحلول، وفق ما يناسب النظام السوري. ومن هنا جاءت فلسفة الخطوة خطوة التي تبناها أكثر من طرف، والتي لم تصل إلى نتائج ملموسة، وكان آخر تطبيق فاشل لها في دعوة رئيس النظام بشّار الأسد إلى القمّة العربية التي انعقدت في جدّة في 19 مايو /أيار الماضي، في إطار امتحان مخرجات الاجتماع الذي عقد في عمّان في مطلع مايو/ أيار الماضي، بحضور وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق وسورية، والذي جرى التوافق فيه أنه بداية للقاءات ستتابع لإجراء محادثاتٍ تهدف إلى الوصول إلى حلّ الأزمة السورية، ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية.