الأمن الثقافي والمثقّف العربي
ما هو الأمن الثقافي، وما علاقته بالأمن الاجتماعي؟ وما أهمّيته في واقعنا العربي الراهن؟ وما التحدّيات التي تواجهه، وكيف يمكننا تحقيقه إن كان من المُهمّ فعلاً؟ وما دور النخب المثقّفة في ذلك؟ ولماذا تحتلّ الثقافة مكانةً بالغةَ الأهمّية في حياة الإنسان؟ وأيّ ثقافة نريد اليوم لصناعة الوعي المجتمعي؟
أسئلة لا بدّ أنّها، وغيرها من أسئلة الثقافة العربية المثيرة، كانت حاضرةً في أذهان معظم من حضر الندوة الجماهيرية المُهمّة، التي نظّمتها واستضافتها منتصف هذا الأسبوع في الكويت، مكتبة طروس، ضمن برنامجها الثقافي، وحاضر فيها الباحث الكويتي سعود الحربي عن الأمن الثقافي، بإدارة مدير مركز طروس محمد الثنيان.
طرح الحربي في الندوة الموسّعة جملةً من الإشكاليات التي تواجه الثقافة العربية في الكويت، والوطن العربي كلّه، من خلال استعراض واسع للمفهوم وعناصر تحقيقه، ثم عرج على الحلول المقترحة في ظلّ التحدّيات الراهنة، بما يشي بأهمّية الأمن الثقافي، الذي يحقّق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، لأنّه يقوم على الإدراك ويحافظ على الهُويّة، كما أشار المحاضر الذي اختار، بجرأة تحسب له ووعي لافت لم نَعْتَدْه من معظم السياسيين، أن يتحدّث، في ظلّ هذا العنوان الواسع، عن واحدة من معضلات العقل العربي الراهن، الذي اعتاد التفكير عبر قوالب جاهزة، غالباً ما تكون في شكل مصطلحات، منها مصطلح الأمن الثقافي، وما يحيل عليه من معضلات تتعلّق بمفهومه الخاص والعام. وهو ما أثرى الحديث في الندوة بمجموعة من النقاط التي طرحها المحاضر منها، على سبيل المثال، أنّنا عندما نتساءل أيّ ثقافة نريد اليوم، فنحن نريد ثقافة إنسانية تحترم حقوق الإنسان.. أيّ إنسان كان، إذ يجب أن نحترم ثقافة أيّ إنسان، وليس شرطاً أن نطبّقها، وأنّ الثقافة والدراسات الثقافية استُغلّت بشكل بشع من قبل الدول الاستعمارية، وأنّ الإنسان هو نِتاج ثقافة المجتمع، والثقافة تُهذّب وتُشذّب سلوك الإنسان. وأنّه لا بدّ من رفع مستوى الإنتاج الثقافي وتجديد الخطاب الثقافي بعيداً من مَنْ الأسوأ ومَنْ الأفضل، بعيداً من الخطاب الانهزامي، وأنّ الأمن الثقافي ينطلق من الحفاظ على اللغة العربية وعدم إهمالها. وهذه مسؤولية مجتمعية عامّة.
توسّع في الحديث عن كلّ ما قُدّم له بتفصيل، متّكئاً على أمثلة تطبيقية مُستمَدّة من واقع تجربته الثريّة في العمل العام، وعلاقاته مع نخبة من المثقّفين والعلماء والتربويين والسياسيين العرب، وهو ما أضفى كثيراً من الحيوية والحميمية والمتعة على نقاش علمي جادّ. لكن، ما أثارني شخصياً ضمن ما أثارني، وهو كثير في الندوة، أنّ الحربي، وهو وزير سابق ومثقّف موسوعي وباحث تربوي، وكاتب روائي أيضاً، حمّل المثقّفين العرب تحديداً، دوراً كبيراً في سبيل بناء الأمن الثقافي لمجتمعاتهم، ونحن نعرف جميعاً أنّ غالبية هؤلاء يعانون كثيراً من أجل ضمان أمنهم الشخصي، في واقع عربي مؤسف، ينخفض فيه سقف الحرّيات العامّة في معظم الدول العربية، حتّى يكاد يلامس رؤوسهم، فكيف يمكننا أن نطالب مثل هذا المثقّف المسكين بأن يعمل لتحقيق الأمن الثقافي وهو غير متأكّد من ضمان أمنه الشخصي؟
لكنّ الحربي أجاب على تساؤلي القلق بما يعكس خبرته السياسية، تحديداً في التعامل مع الإشكاليات التي تعرقل عمل المثقّف، وتسلبه جزءاً من حرّيته، باعتبار السياسة هي فنّ الممكن، وهو ما يحمّل هذا المثقف عبئاً إضافياً بالتفكير في أساليب جديدة لإيصال أفكاره من دون المساس بما يمكن أن يثير السلطة أو يسهم في خلق حالة رفض عامّة. وهذا هو قدر المثقّف العربي تحديداً.