الابتذال .. شيوخ السيسي وملك إسرائيل
ما نحن بصدده الآن أشبه بعملية تطهير وتعقيم لكوكب الأرض مما لحق به من تلوّث سياسي وحضاري وفكري .. نعم، زوال دونالد ترامب يعني أن لدى العالم فرصة لاستعادة بعض القيم الإنسانية المدمّرة بفعل فاعل، هذا الفاعل كان رئيس أميركا، الغريب على أميركا، دونالد ترامب، الذي حدّد اختياراته واتجاه حركته منذ اللحظة الأولى: مع المستبدّين والطغاة والقتلة والفاسدين. قبل نحو عامين، ومع توجه ترامب إلى إحراق منطقة الشرق الأوسط، عبر حروب دينية، تنطلق من ضرب إيران، قلت إن هذا الكابوس سوف ينتهى، ويُمحى كل هذا القبح، وتُطوى مرحلة الرئيس الأميركي الذي يتم استئجاره بالساعة واليوم، ووقتها سيلتفت العالم حوله فيجد أنظمة عاريةً من كل قيمة تاريخية ومعنى حضاري .. ولن يجد عرب ترامب ما يستر عورتهم أمام شعوبهم.
لم تكن مصادفة أن من أول ما فعله ترامب هو الانسحاب من اتفاقية المناخ، إذ كان ذلك إعلانًا رسميًا منه إلى العالم بأن منحاز إلى التلوث، ومتحالفٌ مع القبح حيثما وجد، يكره المتحضرين ويفضل القتلة الملعونين، ذوي الكيمياء المشتركة معه، فيقرّبهم إليه ويستثمر فيهم، يعادي الحق ويصادق الظلم .. وبعبارة واحدة: مع إسرائيل، ومن ترضى عنهم إسرائيل، ولو خسر العالم كله.
كان هذا المعتوه يرى نفسه تجسيدًا لنبوءاتٍ توراتيةٍ من العهد القديم، فيضع إجرامه وصفاقته بغلافٍ تلمودي كهنوتي، مدّعيًا أنه المكلف من السماء بكل ما يقوم به، من تهويد القدس إلى الحرب التجارية ضد الصين، على اعتبار أن الله أرسله لهذا الدور، أو كما قال بلسان توراتي "أحد ما كان عليه أن يقوم بهذه المهمة"، قبل أن ينظر إلى السماء، ويفتح ذراعيه قائلاً "أنا هو المختار". ولذلك لم يكن غريبًا أن يحتفي بتغريدات الصهاينة عنه، من عينة المذيع المحافظ واين آلن روت الذي قال إنّ "الرئيس ترامب هو أفضل رئيس بالنسبة لليهود ولإسرائيل في تاريخ البشرية (...) واليهود في إسرائيل يعشقونه كما لو كان ملك إسرائيل".
ابتذل ترامب السياسة، كما ابتذل الدين، مثل طغاته المحبّبين إليه، على شاكلة عبد الفتاح السيسي، الذي أوجد قاموسًا سياسيًا جديدًا، أحدث تغييرًا هائلًا في مفهوم الرئيس، ليصبح الرئيس هو الشخص الأكثر قدرةً على إثارة السخرية كلما تكلم، كما لم يتردّد في ممارسة أدوار كهنوتية على مسرح السياسة، من خلال لعبة تجديد الخطاب الديني، على نحو أضحك وأبكى، ليصبح مثل ترامب، المختار المكلّف من السماء بكل أفعاله، وهكذا يكتسي التعذيب قداسة كهنوتية، ويكتسي التفريط في الأرض، وقتل الناس في السجون والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم، بطبقةٍ دينيةٍ سميكة، يتولى عملية طلائها وتثبيتها مشايخ وكهنة ارتضوا أن يضاربوا بالدين في بورصة الاستبداد والطغيان.
أمثال هؤلاء على استعداد للانحدار بمفهوم "رجل الدين" إلى مستوىً أقل ابتذالًا من ممثلات الإطلالات الصادمة والخادشة لقشرة الاحترام، كما يفعل الشيخ التلفزيوني خالد الجندي، الذي قرّر المنافسة على درع الإطلالات الجريئة، مرتديًا أزياء شارلي شابلن، مدّعيًا أن ما يفعله هو نوع من تجديد الخطاب الديني، وعلى حد قوله" أنه لا بد من إسقاط الشكل أو الرمز وإسقاط الكهنوت الديني، الدرع أو القناع الذي يتخفّى وراءه أصحاب النوايا الخبيثة".