التعامل الدولي مع نتائج "ردع العدوان"
تابع هجوم "ردع العدوان" تقدّمه السريع، بعد أن قطع المسافة ما بين حلب وحماة وصولا إلى مدينة حمص، في وقت قياسي مقارنة بسرعة تقدّم الجيوش. ولا يرجع ذلك إلى قوة الهجوم فقط، بل إن جزءا كبيرا منه متعلق بتهاوي المنظومة العسكرية التي يحتمي بها الأسد، وهي المنظومة نفسها التي تقدّم بها سابقا، واسترجع ما كان قد خسره من جغرافيا في المرحلة الأولى من عمر الثورة. ويعكس هذا تطوّراً يمكن ملاحظته في علاقة النظام بداعميه، خاصة الجانب الروسي الذي كان له "فضل" المحافظة على النظام وديمومته، بعد تدخّله الحاسم في العام 2015. أما اليوم فلم يعد النظام الروسي يُبدي تلك الغيرة العسكرية والدبلوماسية، وبدا متردّداً ومتراجعاً في الميدان، وبارداً دبلوماسياً، رغم اعتراض مندوبه على وجود مسؤول الخوذ البيضاء في اجتماع مجلس الأمن الذي خُصص لبحث الوضع السوري، وكانت نتائجه وبالاً دبلوماسياً على النظام. ورغم عدم اختفاء روسيا من الأجواء بشكل كامل، إلا أن مستوى حضورها لم يكن كافياً لإيقاف أو حتى إبطاء الهجوم، بما يعني أن بوتين أصبحت لديه قناعة جديدة حول النظام، ويعكسها على الأرض.
وفيما بدت موسكو شديدة التردّد، ظهرت إيران أكثر "وفاءً" مع بدء تهاوي القرى والمدن، فقد سارعت، بعد ساعات من إعلان الهجوم، إلى محاولة استمالة أنقرة، من خلال زيارة محرجة إلى أنقرة، أدّاها وزير الخارجية عباس عراقجي. ويبدو أنه سمع كلاماً حاسماً وشاهد موقفاً صلباً، فعاد إلى طهران، ثم جاء إلى دمشق، لينتهي به المطاف الدبلوماسي بدعوة إلى اجتماع ثلاثي في بغداد بين سورية وإيران والعراق، في محاولة لزجّ العراق في أتون المعركة. وعلى الأرض، بدت إيران عاجزة. وقد فقدت، منذ اليوم الأول، ضابط ارتباط مهما لها في حلب، واشتكت من الاعتداء على قنصليّتها هناك، فيما كانت قواها العسكرية متراجعةً في ميدان المعركة، وتائهة لا تقوى على فعل شيء مع وصول القوات المهاجمة إلى وسط البلاد، واستحواذ فصائل معارضة أخرى على مدن الجنوب السوري، بينما تحاول إيران حثّ طرفٍ ثالث على تقديم إسعافات عاجلة للنظام الذي يبدو محتضراً.
تبدو تركيا وسط دخان المعركة المتكاثف، وهي تراقب الأمر بثقة وحماس، فمع بدء الهجوم، حاولت روسيا وإيران الاتصال بها، ثم انتظر الرئيس أردوغان أسبوعاً ليهاتف جهة دولية هي الأمم المتحدة، متمثلة في أمينها العام غوتيريس، ليقول له جملتين تلخّصان الموقف التركي بوضوح: على بشار أن يتكلم مع شعبه.. والجملة الأهم "أن العملية تدار بهدوء". ولا يعتقد أحدٌ أن الجملة الأولى ستلقى آذناً مُصغية لدى بشار الأسد، فهو يتعالى عنها منذ انطلاق الثورة في العام 2011، ولا بد أن أردوغان يدرك ذلك. أما الجملة الثانية، فتبدو واقعية تماماً، لأن العملية تُدار بحرفية عالية، سواء في الجانب العسكري أو في جانبيها الإعلامي والسياسي، فقد دخلت فصائل المعارضة إلى المدن بسلاسة، وجرى التعامل مع كل المدنيين بأريحيّة مبالغ بها، وتم إظهار ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، كما حثّت الفصائل الجنود على الانشقاق الآمن لتجنّب العواقب.
على الجانب السياسي، وهو الأهم، ظهرت هيئة تحرير الشام بثوب مختلف، عندما أبرزت علم الثورة الرسمي بكثافة، وجاء خطابها الإعلامي بأقل قدر من المحتوى الديني وخالياً من أي لغة مذهبية، وبرهنت على ذلك بالتعامل مع مسيحيي حلب وإسماعيليي السلمية. غاب بشار الأسد عن المشهد، ليظهر بدلاً منه أحمد الشرع (الجولاني)، القائد المعلن لكل العملية، متحدّثا بأريحية، أمام إعلامية من شبكة سي أن أن العالمية، ومرتديا زيّاً عسكرياً، وقد استخدم لغة هادئة، تخلو من أي مضمون للتطرف، وهي صورة زاهية يمكن أن يتقبلها العالم وقد تكون ضرورية، خاصة في الثلث الأخير من المعركة، وهو الفاصل بين حمص ودمشق.