التعليم ضحيّة كوارثنا العربيّة
"تسبّبت الحرب في غزّة في حرمان 625,000 طفل في سنّ الدراسة عاماً دراسياً كاملاً بسبب الدمار الذي لحق بالمدارس والمنشآت التعليميّة الأخرى"، بحسب تقرير لمنظمّة الأمم المتحدّة للطفولة (يونيسف)، قالت فيه، أيضاً، إنّ ما يقرب من 93% من مدارس القطاع، وعددها 564، تعرّضت لأضرار بالغة، بسبب العدوان الصهيوني المستمر منذ عام، الذي جعل جميع أطفال غزّة (1.2 مليون) بحاجة إلى دعم عاجل على صعيد الصحة النفسية، فيما يفيد تقرير صدر قبل شهرين عن مجموعة التعليم الدولية، وهي "آلية تنسيقية تجمع بين المنظمّات والوكالات لتلبية احتياجات التعليم في أثناء الأزمات الإنسانيّة"، بأنّ الضفة الغربيّة المحتلة تواجه، هي الأخرى، "استهداف المعلمين والطلاب بالعنف، والعمليات العسكريّة الإسرائيليّة والغارات على المدارس وما حولها، وعنف المستوطنين، وتدمير المرافق التعليميّة".
هذا بعض ما ينقله تقرير شامل نشره موقع بي.بي.سي باللغة العربية، وضعته سهى إبراهيم. وما يعاني منه التعليم في قطاع غزّة والضفة الغربية من صعاب كبيرة جزء من مجمل المعاناة الشاملة في مجالات الحياة الأخرى هناك، وفي مقدّمتها تدمير المباني السكانية وتهجير أهلها، كذلك فإنّه ليس سوى جزء من معاناة عربية عامة في التعليم، تناولها التقرير، بشيء من التفصيل.
وفق "يونيسف" أيضاً، "يواجه ملايين الأطفال تعطلاً حاداً في تعليمهم نتيجة الصراعات والحروب التي تُدمّر البنية التحتيّة التعليميّة، وتحدّ من الوصول إليها". ومن مظاهر تأثير الحرب والصراع في التعليم، يقف التقرير أمام الوضع في لبنان وليبيا والسودان وسورية واليمن، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينيّة، فكلّ هذه البلدان تعاني من كارثة حرمان ملايين من الفتيان والفتيات دخول المدارس والاستمرار فيها حتى تخرّجهم، ما يعني أن موجة من الأميّة والجهل قادمة لا سبيل لتحاشيها، ونعلم ما للتعليم من دور محوري في نهضة الشعوب وتقدّمها ووعيها، فيما نجد أنفسنا اليوم إزاء حقيقة أن أكثر من نصف الأطفال في المنطقة يعانون مما وصفه التقرير "فقر التعلم"، حيث لا يستطيعون القراءة في الحدود التي تسمح بها أعمارهم، "ويُقدّر أن 15 مليون طفل في سنّ الدراسة (من 5 إلى 14 عاماً) هم خارج المدرسة، وعشرة ملايين طفل آخر معرّضون لخطر الانقطاع عن التعليم".
لنلقِ نظرة على الدول التي تعاني، أكثر من غيرها، من هذه الأزمة. في السودان الذي تطحنه حرب أهلية ضروس، لا يبدو أنّ هناك أفقاً واضحاً لإنهائها، وربما يسفر عنها تقسيم جديد للبلاد، بعد أن انفصل عنها الجنوب وأصبح دولة مستقلة، فملايين الأطفال في أنحاء السودان، اليوم، أجبروا على الفرار، وهناك أكثر من 19 مليون طفل سوداني خارج المدرسة، نزح منهم 12.5 مليون حديثاً، ما يعني أنّ نظام التعليم في البلاد قد انهار أو أنه على وشك الانهيار.
ليس الوضع في اليمن افضل حالاً، فالحديث يدور، هنا أيضاً، عن أنّ 2.7 مليون طفل خارج النظام التعليمي، بينما يحتاج 8.6 ملايين إلى دعم لمواصلة تعليمهم، مع تعرّض ما يقرب من 2,800 مدرسة للتدمير، أو التّضرّر، أو إعادة الاستخدام لأغراض غير تعليميّة، ما يعني تعرّض ملايين الأطفال لخطر فقدان حقّهم في التّعليم، على خلفية الحرب الأهليّة التي تعدّ "من بين الأسوأ على مستوى العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف سكّان البلاد، وتعدادهم حوالى 33 مليون نسمة، إلى المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة".
في ليبيا التي تعاني من تداعيات أحداث 2011 وما ترتّب عنها من خراب في أكثر من مكان، أدّى عدم الاستقرار إلى تراجع الالتحاق بالمدارس، خصوصاً بين الأطفال النازحين داخلياً، حيث أبلغ 11% من الأسر أن أطفالها في سنّ الدراسة لم يسجلوا في التعليم الرسمي خلال العام الدراسي 2021/2022، في حين "أنّ حوالى 111,400 طفل على وشك فقدان الوصول إلى التعليم إذا لم تُقدَّم المساعدات الإنسانيّة إليهم بشكل عاجل".
طبيعيٌّ أن ينال الاهتمام الأكبر ما تجرّه الحروب من خسائر بشرية موجعة، حيث تتضاعف أعداد القتلى والجرحى، وموجات المهجّرين من ديارهم، بعد تدمير بيوتهم وبلداتهم، لكنّ آثار الحرب تمتد لتنال، أيضاً، أوجهاً حيوية من البنية التحتيّة في الصحّة والخدمات الاجتماعيّة الأخرى، ومن بينها التعليم، في كارثة "عابرة للأجيال".