الجامعة نائمة لعن الله من أيقظها
كان أفضل لقضيّة فلسطين، ولكلِّ قضايا العرب الأخرى، أن تحافظَ جامعة الدولة العربيّة على "سُباتها" العميق، وثباتها على موقفها الاستراتيجي من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وهو الموقف الذي تأسّس على مبدأ الفُرجة والمتابعة، مع محاولة إظهار بعض التعاطف الرومانسي من دون ادّعاء القدرة على فعلِ شيءٍ.
أمّا وأنّ الجامعة شمّرت عن أذرعها يوم أمس، وعقدت اجتماعاً أطلقت عليه "قمّة وزراء الخارجية العرب"، بالتزامن مع مجزرة المواصي التي ارتكبها الاحتلال فجر أمس، بقنابل ثقيلة أحدثت حفرةً هائلة اندفنت فيها عائلات فلسطينيّة في خان يونس بأكملها، فقد وضعت نفسها في موقفٍ لا تُحسد عليه، إذ تطلّعت أنظار الفلسطينيين والعرب نحو اجتماعها الوزاري، ترقّبًاً لقرارٍ أو بيانٍ يقول فيه العرب إنّهم عرب، ويعرّفون العدو بأنّه عدو، لينفضَّ الاجتماع عن عباراتٍ أشدّ هُزالًا وتهافتًا ممّا سبقها من عباراتٍ في بياناتٍ مُشابهة.
كان مثيرًا للأسى أن يعلن الأمين العام، في مؤتمرٍ صحافي ختامي، قمّة في الركاكة والضحالة، أنّ أمس كان يوم فلسطين، وحدها، لتكون محور الاجتماع الذي حضره وزير خارجية تركيا وممثّل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا عندما تكون خلاصة الاجتماع، وكما أعلنها الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، أنّ "اجتماع وزراء الخارجية العرب شهد تأكيد جميع الدول لضرورة وقف إطلاق النار في غزة"، مع بعض المعلّبات الجافة عن معاناةِ الشعب الفلسطيني ووحشيّة إسرائيل، ومناشدة المجتمع الدولي الضغط والتشبّث بموضوع الدولتين.
وحتى على مستوى اللغة، ثمّة ركاكة ملحوظة في الخطاب، وفي الأداء، في أثناء المؤتمر الصحافي الختامي الذي أداره الأمين العام، ونظّم أسئلة الصحافيين، التي لم يردّ على سؤالٍ واحد منها، بل أطلق بعض الكلمات المُبهمة، لم تقدّم موقفًا إجرائياً واحداً، يمكن أن تدعم به جامعة الدول العربية الحقّ الفلسطيني، سوى التعلّق الطفولي بمواقف وتصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. فحين سُئِل أبو الغيط عن موقف الاتحاد الأوروبي، أجاب بأنّه ينطوي على تياراتٍ مختلفة، لكنّه تغيّر بعدما رأى بشاعة العدوان الإسرائيلي، مستخدمًا عبارة لا تجدها في قواميس الخطاب الدبلوماسي أو حتى التعليق الرياضي، حين قال إنّ الدول الأوروبية في البداية قدّمت لإسرائيل "كارت أبيض"، ثم عدّلت مواقفها التي كانت مؤيّدة لها على طول الخط، مبشّرًا بأنّ العرب سيلتحقون باجتماعٍ أوروبي يُعقد في إسبانيا لبحث الموضوع الفلسطيني.
دعني أحيلك مرّة أخرى على مخرجاتِ اجتماعٍ لجامعة الدول العربية انعقد قبل النكبة الأولى عام 1848، وقبل أن تنتقل الدولة العربيّة من حالة الاستعمار الأوروبي الصريح إلى حالة الاستقلال (المزعوم)، وهو الاجتماع الذي انعقد في مدينة أنشاص المصرية، 28 مايو/ أيار 1946 قرّر فيه العرب أنّ: أولا، قضيّة فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قُطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية. ثانياُ، ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطراً لا يداهم فلسطين وحسب، وإنّما جميع البلاد العربية والإسلامية. ثالثاً، اعتبار أيّ سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا أميركا وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه دول الجامعة العربية كافة. رابعاً، الدفاع عن كيان فلسطين في حالة الاعتداء عليه. خامساً، مساعدة عرب فلسطين بالمال، وبكلّ الوسائل الممكنة.
من العبث أن أطلب منك مقارنة مواقف عرب ما قبل الاستقلال من العدوان الصهيوني ومواقفهم أمس، العاشر من سبتمر/ أيلول 2024، فهذا تضييع للوقت. أدعوك فقط إلى المقارنة بين ما صدر عن وزراء الخارجية العرب أمس وما صدر عن مخرجةٍ سينمائيّة أميركية يهوديّةٍ عن القضيّة ذاتها، والموضوع نفسه، إذ يقول بيان المخرجة، سارا فريدلاند، في ختام مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، إنّ اسرائيل كيان مغتصب، تحتل فلسطين كلّها منذ 76 عاماً، وتعلن وقوفها مع تحرير فلسطين كاملة.
هل يجرؤ اجتماع قمّة عربيّة على مستوى القادة أو الوزراء على النطق بما نطقت به المخرجة اليهودية التي ترى القضيّة على وجهها الصحيح؟