09 نوفمبر 2024
الجزائر أمام الأسئلة الصعبة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لم يبلغ الحراك الجزائري شهره الثاني بعد، ولكنه حقق إنجازات هامة، أهمها قطع الطريق على استمرار حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أصبح في العهدة الرابعة بيد أطرافٍ من العائلة، ورجال أعمال كوّنوا ثرواتٍ هائلة على حساب الاقتصاد الوطني والمال العام. وانتقل الحراك منذ يوم التاسع من شهر إبريل/ نيسان الحالي إلى مرحلة جديدة، وهي بداية المهلة الدستورية لشغور منصب رئيس الجمهورية المقرّرة 90 يوما، على أن تعقبها انتخاباتٌ رئاسية، وهذا يطرح أسئلة حول المسار الذي سيذهب به البلد حتى ذلك التاريخ.
الطرف الأول المعني بالسؤال هو الشارع الجزائري الذي يبدو أنه لا يريد أن يقف عند المكان الذي وصل إليه حتى اليوم، ويكتفي بإزاحة بوتفليقة والفريق المقرّب منه، وخرجت تظاهرات للتعبير عن ذلك، رافعةً شعاراتٍ ترفض الالتزام بما يعرف بالمسار الدستوري، وتعهدت باستمرار الحراك من أجل إحداث تغييرٍ شامل. ومن غير الواضح اليوم إلى متى سيتواصل هذا الاستنفار الشعبي العارم، وهل سوف يصرّ على إسقاط الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الذي تولى مهامه يوم الاثنين الماضي؟ ولكن الأمر الذي لا يحتمل أدنى شك هو أن الشارع وأحزاب المعارضة الرئيسية يلتقون عند هدف رفض الرئيس المؤقت وكل رموز نظام بوتفليقة، على الرغم من أن بن صالح تعهد، في أول خطاب له، بتحضير انتخاباتٍ رئاسيةٍ شفافة.
والطرف الثاني الذي تتجه إليه الأنظار مباشرة هو الجيش الجزائري الذي تصرّف بحكمة حتى الآن، وساعد حراك الشارع من أجل إيقاف عملية ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، واتخذ إجراءاتٍ من أجل منع رجالات عهد بوتفليقة في المجال الاقتصادي من مغادرة البلاد. والسؤال الذي بات مطروحا بعد تولي الرئيس المؤقت مهامه: هل يتصرّف الجيش من الآن فصاعدا على غرار ما قام به الجيش التونسي بعد رحيل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ويترك حراك الشارع يأخذ مداه، حتى يسقط الحكومة الحالية، ويدفع نحو انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، أم أنه سوف يغير من قواعد اللعبة؟
وعلى الرغم من أن الصورة غير واضحة حتى الآن، إلا أن المؤشرات كافة تؤكد أن الحراك الشعبي سوف يستمر من أجل رسم خريطة سياسية جديدة. وهذا يقتضي نقلة نوعية، يختلف فيها العمل عن الفترة الماضية، وتبدو المهمة الأكثر إلحاحا هي التفاهم بين الجيش والمعارضة على خريطة انتقال تدريجي، تفتح الباب نحو الديمقراطية التمثيلية، من دون تدخل من الجيش الذي يجب أن يواصل دور حماية الدولة، والسهر على أمنها واستمرار عمل مؤسساتها.
وعلى كل حال، لا يبدو الوضع الجزائري بعيدا عن المخاطر، وهو إذ اجتاز، بسرعة، حقول ألغام، فإنه معرّضٌ لامتحاناتٍ عديدة تنتظره، ويعرف الجزائريون، قبل غيرهم، أنه ليس من مصلحة أطراف دولية واقليمية استمرار الحراك، من أجل إحداث تغيير شامل، فالدول الكبرى صاحبة المصالح، مثل الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد، لا تريد سوى تغييراتٍ شكليةٍ تحفظ مصالحها الكبيرة وطويلة الأمد، وهي تنشط بقوة من أجل الالتفاف على الحراك الشعبي لتنفيسه، وإفراغه من محتواه. أما الأطراف الإقليمية، وتحديدا تيار الثورة المضادة، فإنها تضغط بقوة لدفع الجيش الجزائري كي يلعب الدور الذي لعبه عبد الفتاح السيسي في مصر، والدور الذي يقوم به خليفة حفتر في ليبيا منذ خمس سنوات، ولكن حصيلة تجربة السيسي وحفتر لم تثمر سوى النكسات والحروب والإرهاب، ولا تصلح أن يقتدي بها شعبٌ حر، مثل الشعب الجزائري الذي سبق له أن عاش سنوات الجمر، وخرج منها أكثر تمسّكا بالحرية وإيمانا بالديمقراطية والسلمية.
الطرف الأول المعني بالسؤال هو الشارع الجزائري الذي يبدو أنه لا يريد أن يقف عند المكان الذي وصل إليه حتى اليوم، ويكتفي بإزاحة بوتفليقة والفريق المقرّب منه، وخرجت تظاهرات للتعبير عن ذلك، رافعةً شعاراتٍ ترفض الالتزام بما يعرف بالمسار الدستوري، وتعهدت باستمرار الحراك من أجل إحداث تغييرٍ شامل. ومن غير الواضح اليوم إلى متى سيتواصل هذا الاستنفار الشعبي العارم، وهل سوف يصرّ على إسقاط الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الذي تولى مهامه يوم الاثنين الماضي؟ ولكن الأمر الذي لا يحتمل أدنى شك هو أن الشارع وأحزاب المعارضة الرئيسية يلتقون عند هدف رفض الرئيس المؤقت وكل رموز نظام بوتفليقة، على الرغم من أن بن صالح تعهد، في أول خطاب له، بتحضير انتخاباتٍ رئاسيةٍ شفافة.
والطرف الثاني الذي تتجه إليه الأنظار مباشرة هو الجيش الجزائري الذي تصرّف بحكمة حتى الآن، وساعد حراك الشارع من أجل إيقاف عملية ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، واتخذ إجراءاتٍ من أجل منع رجالات عهد بوتفليقة في المجال الاقتصادي من مغادرة البلاد. والسؤال الذي بات مطروحا بعد تولي الرئيس المؤقت مهامه: هل يتصرّف الجيش من الآن فصاعدا على غرار ما قام به الجيش التونسي بعد رحيل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ويترك حراك الشارع يأخذ مداه، حتى يسقط الحكومة الحالية، ويدفع نحو انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، أم أنه سوف يغير من قواعد اللعبة؟
وعلى الرغم من أن الصورة غير واضحة حتى الآن، إلا أن المؤشرات كافة تؤكد أن الحراك الشعبي سوف يستمر من أجل رسم خريطة سياسية جديدة. وهذا يقتضي نقلة نوعية، يختلف فيها العمل عن الفترة الماضية، وتبدو المهمة الأكثر إلحاحا هي التفاهم بين الجيش والمعارضة على خريطة انتقال تدريجي، تفتح الباب نحو الديمقراطية التمثيلية، من دون تدخل من الجيش الذي يجب أن يواصل دور حماية الدولة، والسهر على أمنها واستمرار عمل مؤسساتها.
وعلى كل حال، لا يبدو الوضع الجزائري بعيدا عن المخاطر، وهو إذ اجتاز، بسرعة، حقول ألغام، فإنه معرّضٌ لامتحاناتٍ عديدة تنتظره، ويعرف الجزائريون، قبل غيرهم، أنه ليس من مصلحة أطراف دولية واقليمية استمرار الحراك، من أجل إحداث تغيير شامل، فالدول الكبرى صاحبة المصالح، مثل الولايات المتحدة وفرنسا على وجه التحديد، لا تريد سوى تغييراتٍ شكليةٍ تحفظ مصالحها الكبيرة وطويلة الأمد، وهي تنشط بقوة من أجل الالتفاف على الحراك الشعبي لتنفيسه، وإفراغه من محتواه. أما الأطراف الإقليمية، وتحديدا تيار الثورة المضادة، فإنها تضغط بقوة لدفع الجيش الجزائري كي يلعب الدور الذي لعبه عبد الفتاح السيسي في مصر، والدور الذي يقوم به خليفة حفتر في ليبيا منذ خمس سنوات، ولكن حصيلة تجربة السيسي وحفتر لم تثمر سوى النكسات والحروب والإرهاب، ولا تصلح أن يقتدي بها شعبٌ حر، مثل الشعب الجزائري الذي سبق له أن عاش سنوات الجمر، وخرج منها أكثر تمسّكا بالحرية وإيمانا بالديمقراطية والسلمية.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024