الحجاب السياسي في إيران
ظهر التوجه الديني بشكله المتشدّد على السياسة الداخلية في إيران عام 1979، بعد تعليمات روح الله الخميني بضرورة الالتزام بمعايير الحشمة والمظهر الإسلامي، وهو ضمناً يعني أن تلتزم النساء بالحجاب، ويلتزم الرجال بألبسة مغلقة من دون قمصان بأكمام قصيرة أو ملوّنة. لم يوجد في ذلك الوقت جهاز رسمي يتبع الدولة، يتأكد من تطبيق توجيهات الخميني، بل جاء التطبيق طوعيا، ولكن كان هناك من الناس العاديين من ينبّه سيدة تسير في الشارع على لباسها أو شعرها، وقد تمارس الشرطة هذا العمل من دون تكليف رسمي، وسُجّلت حوادث كثيرة ضرب فيها رجالٌ نساء يسرن في الشارع من دون أن يحترمن تعليمات الخميني، وقد تعرّض بعضُهن لإلقاء أحماض حارقة على وجوههن، أو الطعن بالسكاكين أو حتى إطلاق النار، واستمرّ الحال كذلك حتى العام 1983، حين صدر قانون يطلب من النساء، وبشكل رسمي، ارتداء ملابس فضفاضة وطويلة وتغطية الرأس، حتى لو كنّ داخل سيارة، وترافق القانون مع قائمة عقوباتٍ بحق المخالفات تتضمّن الغرامات المالية وصولا إلى الجلد!
قبل وصول رجال الدين إلى الحكم في إيران، كان الوضع مختلفا جدا، ففي وقتٍ مبكّر من القرن العشرين عام 1939، أصدر رضا بهلوي، والد الشاه محمد رضا بهلوي، قانونا يمنع فيه ارتداء الحجاب بشكل رسمي، باعتباره موروثا متخلفا لا يجاري حضارة القرن العشرين، وشجّع على ارتداء الملابس الغربية والقبعات، ووصل الأمر إلى استخدام القوة لضبط القانون وخلع حجاب النساء في الشارع! وقد أجبر التشدّد في التطبيق بعض النساء أحيانا على التحرّك في الليل لقضاء بعض الحوائج خوفا من الالتقاء بالشرطة، والتعرّض للتعنيف بسبب الحجاب. خفّف نظام الشاه الابن من إجراءات المنع القسري للحجاب، حين نفي الوالد خارج البلاد عام 1940، بعد أن ناصر ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وقد شاع بعد ذلك الحجاب بصورة أكبر، وانتشر بشكل واسع، ليس بوصفه التزاما دينيا في المقام الأول، ولكنه تعبير عن رفض النظام الملكي الديكتاتوري المتمثل في الشاه الكاره للحجاب.
خلال الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، بدأت تتشكّل قوات شبه رسمية للانخراط في الحرب العراقية الإيرانية، لكن بعضا منها كان يمارس "الحسبة" بشكل علني، من دون معارضة من الدولة، وكانت هذه القوات تتبع غالبا لجهات في وزارة الداخلية، ومن دون تدخّل من القضاء، ما يجعل سلوكها يتخذ طابعا تنفيذيا. في أوائل التسعينيات، تشكّل في إيران ما سميت "غشت إرشاد"، وهي قوات شبه عسكرية مختلطة تقوم بالرقابة المباشرة على السلوك والملابس، وكانت موجهة، بشكل أساسي، نحو النساء، جهتها المرجعية هي وزارة الداخلية، من دون أي إشراف قضائي. وتوسَّع عمل هذه الشرطة مع قدوم أحمدي نجاد، ليعكس عناوينه المتشدّدة بجعل "غشت إرشاد" ذراعا رسمية من أذرع الشرطة، ووصل تعداد أفرادها إلى سبعة آلاف منتسب، يمارسون جميعا عملية مراقبة لباس السيدات في الشوارع والأماكن العامة.
كان موقف الشاه الأب من الحجاب وضرورة منعه سياسياً في جوهره، فقد كان يرغب بالتقرّب من العالم المتقدّم وجر تقاليده لإحلالها مكان التقليد الإسلامي الذي كان يتّبعه الشارع الإيراني. وقد رد الشارع بدوره بالمبالغة في لبس الحجاب تحدّيا لهذا القرار، وظهر لاحقا في قرارات الخميني، ومن جاء بعده، التمسّك برمزية الحجاب وفرضه عنوة، في تأكيد سياسي على الوجه الإسلامي لإيران، وكان رد الشارع معاكسا أيضا في تحدّيه الحجاب. وبعد حادثة الطالبة الكردية، مهسا أميني، وتحرّك الشوارع، أضحى حرق الحجاب وتمزيقه شعارا هاما. التقط النظام الإشارة، فأصدرت إحدى هيئاته قرارا بعدم قانونية شرطة الأخلاق، ما يعني أن النظام الحاكم يرغب بامتصاص النقمة الشعبية العارمة. وفي كل ذلك التاريخ الطويل للحجاب الإيراني، كان الجانب الديني واضحا باعتبار الحجاب معلماً إسلامياً، ولكنه وسيلة تُضمر السياسة بشكل أساسي.