الحصاد المرّ لحرب السودان
توقّف الزمان للسودانيين في صباح السبت 15 إبريل/ نيسان 2023. منذ ذلك اليوم، لم تعد الحياة كما كانت. رغم كل التحذيرات والعلامات عن الصدام القادم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أن الحرب كانت مفاجئة!
كررت الحرب سيناريو "فضّ اعتصام القيادة العامة" في 29 رمضان (3 يونيو/ حزيران 2019)، الذي وقع على بعد خطوة واحدة من توقيع الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لتسليم السلطة. هاجمت قوات عسكرية اعتصامات المواطنين في عدة ولايات سودانية، واستباحت قوات الدعم السريع العاصمة وعدّة مدن أياماً. ثم اندلعت حرب الخرطوم في 24 رمضان (15 إبريل/ نيسان 2023)، على بعد خطوة من توقيع اتفاق تسليم السلطة المعروف بالاتفاق الإطاري. ... لا يحب العسكريون تسليم السلطة.
***
"منذ بدء القتال، استخدمت القوتان بشكل متكرّر أسلحة متفجّرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكّان، ما أدّى إلى وقوع ضحايا مدنيين عديدين وتدمير الممتلكات المدنية والبنية التحتية الحيوية"، المديرة التنفيذية لـ"هيومن رايتس ووتش" تيرانا حسن.
***
ينظر العالم إلى أكبر كارثة إنسانية تحدث في المنطقة، لكنه يكتفي بالتوسّل لطرفي النزاع بوقف الحرب. وساطات دولية. تصريحات. إدانات. عقوبات على أفراد وشركات. لكن لا شيء يتغيّر. بحسب تقرير "هيومن رايتس ووتش" للعام 2024، لم يتّخذ مجلس الأمن أي خطوات ملموسة لتقييد قدرة الأطراف المتحاربة على الاستمرار في إلحاق الأذى بالمدنيين. يستمرّ الموت، ويستمرّ نزوح المواطنين، وتطاردهم الحرب! ... العالم يراقب، لكنه عاجز.
***
"بلغ عدد النازحين بسبب النزاع منذ 15 إبريل/ نيسان داخل السودان وخارجه 8.2 ملايين شخص"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
***
تحوّل صراع السلطة بين قيادات الجيش وقائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي إلى حرب ذات أبعاد دولية، تتقاتل فيها أطرافٌ عديدة، بعضها بشكل مباشر، وبعضها توفر التمويل والتسليح. لم يعد قرار الحرب بيد طرفيها العسكريين. حتى محليّاً تبدو الأطراف الحليفة غير راغبة في هدنة. لذلك، لا يبدو خيار السلام قريباً.
بعد عام من الحرب، بشّر قائد الجيش وقائد الدعم السريع، كل واحد في بيانه إلى الشعب بمناسبة عيد الفطر، باستمرار العمليات العسكرية حتى تحقيق النصر! لم يتعلّم أحد الدرس. ويراهن الطرفان على البندقية لحسم الصراع. لا يتذكّر أحدٌ المدنيين ومعاناتهم من هذه الحرب. بل يستغل الطرفان الجوع سلاحاً في الصراع. وفي وسط هذه المعركة، علقت المنظمات الدولية، مثل الصليب الأحمر والمنظمّات القاعدية الطوعية. ... المساعدة قد لا تأتي، لأنها ربما تعرّضت للاعتقال!
***
"وفقا لمراقبي حقوق الإنسان، عمدت القوات السودانية المسلحة وقوات الدعم السريع بشكل متكرّر إلى ترهيب العديد من النشطاء والمتطوعين الذين يسهلون إيصال المساعدات وغيرها من الخدمات الأساسية، والاعتداء عليهم واحتجازهم"، هيومن رايتس ووتش
***
قالت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن السودان إن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم يبديا اهتماماً يُذكر بحماية المدنيين". رغم أن الحرب تُخاض باسمهم، بينما ينهار النظام الصحي وتتوقّف برامج تحصين الأطفال وتنتشر الأمراض المُعدية في البلاد المنهارة، يتواصل الإمداد العسكري للطرفين، وتسليح المدنيين طوْعاً وكرهاً. يتبادل الطرفان الاتهامات بشأن الانتهاكات. وتُنكر كل جهة مسؤوليتها أو مسؤولية منسوبيها عن أي جريمة. وتحاول تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم) أن تطلق نداءً عالمياً باسم "أنقذوا السودان" لمحاولة جلب الدعم الإنساني للمحتاجين. لكن كيف يمكن إيصال المعونات في بحر من السلاح؟ يمكن بسهولة الحصول على السلاح، بينما يموت الأطفال من الجوع!
***
"حوالي ربع مليون طفل وامرأة حامل وأمّهات جدد قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع ما لم يلبّ التمويل والمساعدات العاجلة المنقذة للحياة احتياجاتهم"، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.