الحكومة الإسرائيلية في يد فطير صهيون
تحذّر الآية السابعة من الإصحاح الثالث عشر لسفر الخروج اليهود من أكل الخبز المختمر، وتمعن في التشدد بالحظر، حتى من امتلاكه سبعة أيام، تبدأ من منتصف شهر نيسان، بقولها "فَطِيرٌ يُؤْكَلُ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ مُخْتَمِرٌ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ خَمِيرٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ". وبناء على هذا التحريم القاطع، تبنّت عيديت سيلمان، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "يمينا"، الذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينت، موقفها في الانتقال من صفوف الحكومة الإسرائيلية، إلى صفوف المعارضة! ورغم انتمائها إلى الحزب الذي يرأس قائده الحكومة، تقول إنّها لا تستطيع أن تنتمي إلى ائتلاف يخالف الهوية اليهودية التي بنيت عليها الدولة، وذلك بالسماح بإدخال الخبز المختمر إلى المستشفيات، بعكس تعليمات سِفر الخروج الصريحة... كانت عيديت توجه انتقاداً إلى وزير الصحّة المنتمي إلى حركة ميرتس اليسارية، ووجه بعدم تفتيش الطعام الداخل إلى المستشفيات للتأكد من خلوّه من الفطير. تُعبر هذه المرأة عن عقلية متديّنة وطبيعة يمينية صرفة، من خلال تمسّكها بالطقوس بشكل هستيري، حتى خرّبت تشكيل حكومة إسرائيلية تطلبت أربع جولات انتخابية لإنتاجها. وتأتي خطورة انسحاب سيلمان بأنّها العضو رقم 61 الذي يساند حكومة بينت، وبخروجها من الائتلاف ستفقد الحكومة الصوت الوحيد الذي يعطيها الأغلبية، وستصبح مهدّدة بالانفراط، واحتمال ذهاب الجمهور مجدّدا إلى صناديق الانتخابات.
تنتمي عيديت، العضو الذي يحمل صفة "بيضة القبّان"، إلى مستوطنة رحوفوت القديمة، التي أنشأها، في بدايات القرن العشرين، متدينون أوائل، وانتعشت على حساب قرية زرنوقة العربية المجاورة، ونشطت في استقطاب يهود من اليمن وإثيوبيا عملوا فلاحين في مزارع الحمضيات، لحساب ملاكي الأراضي الروس والبولنديين. وهكذا نشأت عيديت في هذه الحقول الواسعة على تطبيق صارم لتعليمات العهد القديم، وتحاول اليوم أن تحافظ على طقوس التديّن التي تربت عليها، وإن وصل الأمر إلى تقويض تحالف، وتمزيق معاهدةٍ ملزمة. تُعرِّضُ نفسها لخطر عدم قبول ترشيحها لعضوية الكنيست المقبل، فالقانون لا يسمح للأعضاء الذي يتركون أحزابهم بالترشّح في المرة التالية، إلا إذا تخلّى ثلث أعضاء ذلك الحزب عن عضويتهم، ما يعني أنّ عيديت أخذت خطوتها بدافع قوي يجعلها تخاطر بمستقبلها السياسي في سبيل ما يبدو دافعاً "عقائدياً دينياً".
تشكّلت حكومة بينت الحالية من تحالفٍ عابرٍ للطيف السياسي، ومن خليطٍ غير متجانس جمع حركة ميرتس المغرقة في اليسار وحزب اليمين ذي التوجهات الراديكالية، الذي خرجت منه عيديت سيلمان، كما دعمته القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عبّاس، وهي خليط يقوم على أغلبيةٍ بسيطة لا تصمد أمام الهزّات العميقة. وكانت الخلفية لتشكيله هي إبعاد بنيامين نتنياهو عن منصب رئيس الوزراء، ولكن نتنياهو لم يستسلم بسهولة، ويرغب باستغلال الفرصة التي أتاحتها له عيديت، بمغادرتها تحالف الحكم، ليقوم بمناورته الخاصة، وإنْ بإعادة الانتخابات. وهنا يتراجع السبب العقائدي الذي تركت بموجبه عيديت التحالف إلى الوراء، تاركا وراءه سؤالا "ارتزاقيا"! فقد لفتت تقارير إلى أنّ نتنياهو قد اجتمع معها، في الليلة السابقة لإعلانها موقفها، وقد وعدها بمنصب حكومي، ومركز متقدّم في قائمة الليكود لو أعيدت الانتخابات.
شعر يمينيون في إسرائيل بأنّ الحكومة الحالية التي تحتوي على منتوجات يسارية وبعض العرب لا تلبّي طموحاتهم المتطرّفة التي تمثلها شخصيات كعيديت، ونتنياهو من قبل. وقد يكون الشارع الإسرائيلي تاق إلى حكومة أكثر يمينية رغم "الانتصارات" التي حققتها الحكومة الراهنة على صعيد جمع أنظمةٍ عربيةٍ حولها، ولا يجد هذا الجمهور مشكلة في الذهاب إلى صناديق الانتخابات مرة خامسة في سبيل رؤية نتنياهو في منصب الوزارة الأول، وعن يمينه عيديت سيلمان نفسها.