الحلّ السوري المستحيل بوجود الأسد
تفشل المحاولات لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى. وقد تسارعت المساعي على هذا الصعيد منذ أكثر من عام، وترتفع وتيرتها كلما اقترب موعد انعقاد القمة العربية. وكما حصل حينما انعقدت في الجزائر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جرت محاولة ثانية في الأيام الماضية على أبواب انعقادها في السعودية في التاسع عشر من مايو/ أيار المقبل. وفي المرّتين، تحرك البلد المستضيف للقمة من أجل تشكيل إجماع حول المسألة قبل انعقاد المؤتمر، ولكن جهوده لم تحقّق الهدف المنشود بالحصول على موافقة كل البلدان العربية. وفي هذه المرّة، البلدان التي عارضت، حسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، هي قطر، المغرب، اليمن، الكويت، بينما تحفّظت مصر. وسبب الاعتراض متفاوت بين دولة وأخرى، ولكن عبّر عنه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بوضوح وصراحة في قوله "كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، ومقاطعة النظام السوري في ذاك الوقت، وهذه الأسباب ما زالت قائمة بالنسبة لنا على الأقل في دولة قطر". وجاء هذا التصريح قبيل اجتماع جدّة في الأسبوع الماضي لبحث القضية، والذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، وانتهى من دون اتخاذ قرار حول عودة النظام السوري للجامعة.
لا يكفي توقّف الحرب وحده من أجل عودة النظام إلى الجامعة، وهذا واضحٌ منذ أكثر من خمسة أعوام، عندما حصل الاتفاق بين روسيا وإيران وتركيا على وقف إطلاق النار. وبات راسخا أن ما يشكّل عقدة الوضع السوري هو الحلّ السياسي، الذي يمكن أن يعيد توحيد سورية المقسّمة إلى عدة مناطق نفوذ، ومن المستحيل أن يتقدّم ما لم يتم التفاهم بشأن وضع الفصائل العسكرية المتحالفة مع تركيا، والتي تسيطر على شمال غرب سورية، ولديها قرابة مائة ألف مقاتل، ومع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يفوق جيشها مائة ألف، وتسيطر على ثلاث محافظات، الرقّة ودير الزور والحسكة، تشكّل أكثر من ثلث مساحة سورية، وتضع يدها على النفط والغاز وأغلبية إنتاج القمح والقطن. وفوق ذلك هي على تحالف مع الولايات المتحدة، التي تحتفظ بحضور عسكري يتمركز في ثلاث قواعد عسكرية، هذا بالإضافة إلى رفض النظام تأمين عودة طوعية لحوالي ستة ملايين لاجئ سوري، يتوزّع القسم الأكبر منهم بين تركيا ولبنان والأردن، والإفراج عن قرابة 150 ألف معتقل، والكشف عن مصير حوالي مائة ألف مفقود.
في السابق، كانت هناك حجّة تقوم على أن عودة النظام تبعده خطوة عن إيران، والمفارقة اليوم أن مساعي السعودية لعودة النظام تأتي في إطار التفاهم مع إيران التي يشكّل دعمها، إلى جانب روسيا، السبب الرئيسي لتعنّت رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتعطيله كل مشاريع الحلول التي تقدّمت بها الأمم المتحدة وأطراف دولية وإقليمية. ومؤكّد أن ما تهدف له طهران وموسكو من تأهيل للنظام عربيا، ليس من أجل حلّ المسألة السورية من كل جوانبها، أي تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254، الذي يحتاج إلى توافق روسي أميركي، بل تحقيق هدفين. الأول، تأمين مظلة عربية تحمي النظام ورموزه من المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها منذ عام 2011، وتجاوز عدد ضحاياها نصف مليون، بالإضافة إلى تهجير قرابة نصف الشعب السوري. والثاني، البحث عن دعم اقتصادي عربي للنظام الذي بات يشكّل عبئا ثقيلا على إيران وروسيا بسبب انهيار الاقتصاد السوري، وعدم وجود موارد فعلية تمكّنه من الاستمرار.