06 نوفمبر 2024
الحوثيون في معادلة الصراع الإقليمي
فيما تسيطر أخبار الصراع في جنوب اليمن بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، والطامح إلى الانفصال، والرئيس عبد ربه منصور هادي، المقيم في منفاه في السعودية، والذي يصارع من أجل البقاء في صورة المشهد السياسي اليمني، يترسّخ في الشمال حكم المليشيا الحوثية التي توشك، بإمكاناتها ومواردها المحدودة، أن تغيّر قواعد اللعبة الإقليمية، بتحوّلها إلى لاعب رئيس فيها.
يدل على هذا التحول، التطور الكبير الذي طرأ على علاقات إيران بالحوثيين أخيرا، والذي رافقه تغير جوهري في نظرة طهران إلى اليمن، ووضع حلفائها فيه، ودورهم في لعبتها الإقليمية والدولية؛ فبعدما كان الحوثيون مجرد ورقة تلعبها إيران في وجه السعودية، ومستعدّة لرميها في أي وقت لقاء ضمان مصالحها الإقليمية الأكثر أهمية في العراق وسورية، بات هؤلاء اليوم حليف إيران الاستراتيجي الأكبر في المنطقة، حتى إنهم فاقوا في أهميتهم حزب الله اللبناني، على ما له من أهمية.
خلال السنوات الممتدة بين التحاق اليمن بركب الثورات العربية مطلع عام 2011 ووصول الرئيس ترامب إلى الحكم عام 2017، لم تلق إيران أهمية كبيرة لما يجري في اليمن، على الرغم من الدعم (المحدود) الذي كانت تقدمه للحوثيين، وحرصها على نسج علاقة معهم، تدمجهم في شبكة تحالفاتها الإقليمية. ذلك أن تركيز طهران ظل منصبا كليا تقريبا على إنقاذ استثماراتها الأهم في العراق ثم في سورية، خصوصا بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية ابتداء من عام 2014. الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع إدارة الرئيس باراك أوباما (بصيغة متعدّدة الأطراف 5+1) أدخلها في حالة استرخاء، ووضعها في تحالف ضمني مع واشنطن في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد اضطلع حزب الله، كمليشيا إيرانية عابرة للحدود، بدور إقليمي كبير، خلال هذه المواجهة، جعلت أهميته بالنسبة لإيران لا تضاهى، حتى غدا اليد الضاربة لها على امتداد المنطقة، وأكبر متلقٍّ للمساعدة منها، ماديا وعسكريا.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير مع وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، وانتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة، وعودة الخطاب العدائي الأميركي تجاه إيران، والذي بلغ ذروته بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها. كما بدأت تتضح محدودية قدرة حزب الله على لعب دور مهم في مواجهة السياسة الأميركية الجديدة تجاه طهران، خاصة مع فشل الاستراتيجية الإيرانية في تحويل سورية إلى قاعدة متقدمة في مواجهة إسرائيل نتيجة التفاهمات الروسية - الإسرائيلية (الأميركية) التي أثمرت توجيه ضربات كبرى للوجود الإيراني في سورية، وحالت دون إنشاء وجود عسكري قوي ودائم لها فيها، ابتداء من أيلول 2017.
في هذه المرحلة فقط، بدأت تتضح أهمية الحوثيين في صراع طهران مع واشنطن وحلفائها في المنطقة، ما جعلها تعيد توجيه جزء من مساعداتها المالية والعسكرية من حزب الله إلى الحوثيين. وقد اتضح أثر عملية إعادة التوجيه هذه خلال الشهور الثلاثة الماضية، وتحديدا منذ ألغت واشنطن إعفاءات استيراد النفط الإيراني، مطلع مايو/أيار الماضي، وطبقت سياسة الضغوط القصوى على طهران. ففي سياق إطار محاولاتها رفع أسعار النفط للتأثير في قاعدة ترامب الانتخابية، وتكبيد السعوديين ثمن حماستهم لضرب إيران، وتنفيذ تهديداتها بمنع الآخرين من تصدير نفطهم، رفع الحوثيون، نيابة عن طهران، من وتيرة استهداف السعودية ومنشآتها الحيوية من مطارات ومنصات نفطية. في هذا السياق، اكتشف الإيرانيون أن استهداف السعودية ذو مردود سياسي أعلى ومستوى مخاطرة أقل مقارنة بإسرائيل، التي اختارت طهران الصمت إزاء هجماتها المتكررة عليها وعلى حلفائها، والتي امتدت أخيرا لتطاول العراق.
ومن خلال اليمن أيضا، وجدت طهران أن في مقدورها إلحاق ضرر أكبر بمصالح واشنطن في المنطقة، من دون أن تؤثر في مصالح حلفائها. فتهديد حرية الملاحة في الخليج، مثلا، يضرب في الصميم مصالح دول مثل الصين، والهند، واليابان، حيث يتجه 70% من نفط الخليج، كما يضع طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن. أما تهديد الملاحة في البحر الأحمر، عبر الحوثيين، فهو يلحق ضررا أكبر بمصالح الغرب النفطية، بعيدا عن دور إيراني مباشر فيه، ما يعني أن التكلفة هنا أيضا أقل والمردود أعلى تماما كما في حال استهداف السعودية. ولا يغيب عن البال أيضا أن حوثيي اليمن أقل بذخا بكثير من "مقاومي" حزب الله.
يدل على هذا التحول، التطور الكبير الذي طرأ على علاقات إيران بالحوثيين أخيرا، والذي رافقه تغير جوهري في نظرة طهران إلى اليمن، ووضع حلفائها فيه، ودورهم في لعبتها الإقليمية والدولية؛ فبعدما كان الحوثيون مجرد ورقة تلعبها إيران في وجه السعودية، ومستعدّة لرميها في أي وقت لقاء ضمان مصالحها الإقليمية الأكثر أهمية في العراق وسورية، بات هؤلاء اليوم حليف إيران الاستراتيجي الأكبر في المنطقة، حتى إنهم فاقوا في أهميتهم حزب الله اللبناني، على ما له من أهمية.
خلال السنوات الممتدة بين التحاق اليمن بركب الثورات العربية مطلع عام 2011 ووصول الرئيس ترامب إلى الحكم عام 2017، لم تلق إيران أهمية كبيرة لما يجري في اليمن، على الرغم من الدعم (المحدود) الذي كانت تقدمه للحوثيين، وحرصها على نسج علاقة معهم، تدمجهم في شبكة تحالفاتها الإقليمية. ذلك أن تركيز طهران ظل منصبا كليا تقريبا على إنقاذ استثماراتها الأهم في العراق ثم في سورية، خصوصا بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية ابتداء من عام 2014. الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع إدارة الرئيس باراك أوباما (بصيغة متعدّدة الأطراف 5+1) أدخلها في حالة استرخاء، ووضعها في تحالف ضمني مع واشنطن في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد اضطلع حزب الله، كمليشيا إيرانية عابرة للحدود، بدور إقليمي كبير، خلال هذه المواجهة، جعلت أهميته بالنسبة لإيران لا تضاهى، حتى غدا اليد الضاربة لها على امتداد المنطقة، وأكبر متلقٍّ للمساعدة منها، ماديا وعسكريا.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير مع وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، وانتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة، وعودة الخطاب العدائي الأميركي تجاه إيران، والذي بلغ ذروته بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها. كما بدأت تتضح محدودية قدرة حزب الله على لعب دور مهم في مواجهة السياسة الأميركية الجديدة تجاه طهران، خاصة مع فشل الاستراتيجية الإيرانية في تحويل سورية إلى قاعدة متقدمة في مواجهة إسرائيل نتيجة التفاهمات الروسية - الإسرائيلية (الأميركية) التي أثمرت توجيه ضربات كبرى للوجود الإيراني في سورية، وحالت دون إنشاء وجود عسكري قوي ودائم لها فيها، ابتداء من أيلول 2017.
في هذه المرحلة فقط، بدأت تتضح أهمية الحوثيين في صراع طهران مع واشنطن وحلفائها في المنطقة، ما جعلها تعيد توجيه جزء من مساعداتها المالية والعسكرية من حزب الله إلى الحوثيين. وقد اتضح أثر عملية إعادة التوجيه هذه خلال الشهور الثلاثة الماضية، وتحديدا منذ ألغت واشنطن إعفاءات استيراد النفط الإيراني، مطلع مايو/أيار الماضي، وطبقت سياسة الضغوط القصوى على طهران. ففي سياق إطار محاولاتها رفع أسعار النفط للتأثير في قاعدة ترامب الانتخابية، وتكبيد السعوديين ثمن حماستهم لضرب إيران، وتنفيذ تهديداتها بمنع الآخرين من تصدير نفطهم، رفع الحوثيون، نيابة عن طهران، من وتيرة استهداف السعودية ومنشآتها الحيوية من مطارات ومنصات نفطية. في هذا السياق، اكتشف الإيرانيون أن استهداف السعودية ذو مردود سياسي أعلى ومستوى مخاطرة أقل مقارنة بإسرائيل، التي اختارت طهران الصمت إزاء هجماتها المتكررة عليها وعلى حلفائها، والتي امتدت أخيرا لتطاول العراق.
ومن خلال اليمن أيضا، وجدت طهران أن في مقدورها إلحاق ضرر أكبر بمصالح واشنطن في المنطقة، من دون أن تؤثر في مصالح حلفائها. فتهديد حرية الملاحة في الخليج، مثلا، يضرب في الصميم مصالح دول مثل الصين، والهند، واليابان، حيث يتجه 70% من نفط الخليج، كما يضع طهران في مواجهة مباشرة مع واشنطن. أما تهديد الملاحة في البحر الأحمر، عبر الحوثيين، فهو يلحق ضررا أكبر بمصالح الغرب النفطية، بعيدا عن دور إيراني مباشر فيه، ما يعني أن التكلفة هنا أيضا أقل والمردود أعلى تماما كما في حال استهداف السعودية. ولا يغيب عن البال أيضا أن حوثيي اليمن أقل بذخا بكثير من "مقاومي" حزب الله.