"الروع"... جديد زهران القاسمي
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
نقرأ في مجمل روايات العُماني زهران القاسمي (حازت روايته "تغريبة القافر" الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2023) حركة أهل جبال وادي الطايين، وحياتهم وتاريخهم، وقد عُرِفوا في عُمان بتربية الأغنام ونمط الحياة الرعوي، حيث يعيش الكاتب في قرية من هذا الوادي بشرقية عُمان. نمط الحياة هذا تراه موّزعاً في بيئة معظم روايات القاسمي. مثلاً لديه رواية تحت عنوان "جوع العسل"، عن هذه الرحلة المعقّدة في تربية عسل النحل. كما تدور روايته "القنّاص" حول رحلات اصطياد الماعز الجبلي قديماً. في آخر رواياته الصادرة؛ "الروع" (دار مسكلياني، تونس، 2024)، لم يبرح زهران مكانه الأول من حيث استثمار معطيات بيئته الريفية والاستثمار السردي في معرفته تفاصيلها ودقائقها. وهي رواية متوسّطة الحجم (154 صفحة) تتكرّر فيها فزّاعات الحقول مع بطلها "محجان". تبدأ الرواية بحدث ميلودرامي تشير سهامه إلى ولادة صباح جديد، وبالتالي حدث فارق في حياة "محجان" وقريته: "استيقظت البلاد قبيل شروق شمس أحد الأيام على صراخ محجان، وهو يركض في حارات البلاد، مجتازاً بيوتها إلى ضواحي النخل، خرج الناس على أثر ذلك الصراخ مستنكرين وجلين على من مزّق سكون صباحهم". تشير هذه البداية إلى حدث فجائعي مجهول، لم يكن بلا صفات. الخوف أو الروع، حذفت من العنوان ضمّة الشدّ من رأس حرف الراء لتفضي دلالتها إلى الخوف والهلع، بيد أن المقصود هنا في المنطوق العُماني هو الرُّوع أي فزّاعات الحقول، وهو ما سيتجلّى مع التقدّم في قراءة الرواية، رغم أن المسمَّيين في اللهجة والفصحى لا يبتعدان عن الخوف والروع، وهما العنصران الغالبان في أجواء الرواية، فزّاعات تنصب في الحقول بغرض إيهام الطيور والدواب بوجود كائن بشري يردعها من الاقتراب من المساحات المزروعة. هياكل خشبية بعضها مزّين بمعادن صائتة تأخذ في هيئتها شكلاً بشرياً جامداً لا يتحرّك إلا بما ستجود به الرياح من هزّات خفيفة. هذه الفزاعة أو (الرُّوع)، التي يفترض أنها مثبّتة لإخافة الطيور والدواب، تحوّلت في هذه الرواية مصدر خوف لأهل القرية، وذلك حين توهمها "محجانُ" بشراً مقطوع الرأس والأطراف في قلب مرزعته، فيسقط مغشياً عليه، ثمّ يستيقظ بحواسَّ مستنفرةٍ جديدةٍ، وكأنها كانت معطّلةً قبل ذلك. فبعد هذا الحادث، صار محجان ينظر إلى كلّ شيء بخوف وهلع، بل بإصغاء شديد وتحفّز. سحابة في الأفق مثل شعر منفوش تمنّى أن يلمسها، الصمت صار مخيفاً، وكذلك صوت الطيور. حتى نعيق الغربان، الذي طالما سمعه بحياد، أصبح بعد الحادثة يثير لديه ذكرى التطيّر. حتى هذه الساعة، لا أحد يعرف من أهل القرية ما الذي رآه "محجان"، ولكن رغم ذلك، فالجميع رماه بالجنون بسبب تغيّر تصرفاته.
من أجل تأثيث روايته بالعجيب والغريب، استعان السارد بالمرويات الشعبية، أو بما يمكن أن يضع قارئه في دائرة التشويق، ويختار من الذكريات ما يعزّز فكرة غرابة بطل القصة وجنونه وعدم سويته، وإتيانه بالقفشات الذاهلة التي تستثير الضحك.
في سرده الخطّي المتلاحق والمتسارع، استطاع الكاتب أن يحشد جميع العناصر والأساطير والمحكيات لتشكّل ضعطاً نفسياً حتى على السرد نفسه، وبالتالي تؤدّي إلى الانفجار الذي حدث في نهاية الرواية، فأهل القرية حين أنهى "محجان" صنع روعه وفزّاعته، رموه بالسحر والدجل، وأن كلّ شيء سيئ يحدث في تلك القرية مصدره مزرعة "محجان"، وذلك الكائن الغريب الذي صنعه بيديه وبث فيه سحراً أسودَ. ونتيجة لهذا الضغط من أهل القرية الذين من ضمنهم زوجته، اسودّت الدنيا في عيني "محجان"، وفعل في ليل بلا قمر الأفاعيل ببيوت قريته وفزّاعاتها. فانتشرت الحرائق، ولاذ "محجان" بقفار الأرض هارباً.
يكمل زهران القاسمي في هذه الرواية سلسلة استثمار البيئة العُمانية من محكيات وطبيعة، كما هو الأمر مع رواياته السابقة، التي تدور حول مواضيع متشابهة من ناحية استحضار العناصر الطبيعية والحضور الطاغي للبيئة والعادات وهيمنتها، حتى إن الشخصيات تذوب وتتلاشى أمامها.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية