السعودية وتركيا وإيران
فتحت المصالحة الخليجية في قمة العلا، والتي انعقدت في الخامس من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، الباب أمام المصالحة السعودية التركية. ومن المرجّح أن تلعب قطر دورا أساسيا في إنجازها، وربما ستتلوها خطواتٌ لاحقةٌ مع مصر على نحو بطيء، وذلك على غرار ما سيحصل بين قطر وباقي دول الحصار. وأول ما لفت المراقبين هو السرعة التي تمّت بها المصالحة الخليجية، وكان من المتوقع أن تكون أبطأ من ذلك، وتجري بعد ذوبان الجليد الذي ترسّب على سطح العلاقات بين قطر ودول الحصار، إلا أنه بدا جليا أن السعودية معنية بإنجاز المصالحة الخليجية بسرعة، وهي تعمل على إقناع باقي دول الحصار بها، وتسعى إلى وضعها على السكّة، قبل تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامها في العشرين من الشهر الحالي.
الإعلانات والتصريحات والنيات عن أهمية المصالحة وضرورتها أمر جيد، إلا أنها لا تكفي وحدها لتحقيق المصالحة السعودية التركية، فالمسألة مرتبطة قبل كل شيء بإنجاز مصالحة خليجية خليجية على أسس واضحة. وما لم تصفُ الأجواء بين قطر وجاراتها الخليجيات على الأقل، فإن أي مصالحةٍ بين هذه العواصم الخليجية وأنقرة ستظل خاضعة للاختبار، ولن يكتب لها الاستقرار وستبقى عرضةً للاهتزاز. وغني عن القول إن العلاقات بين الدول تحسب وتقاس وتتأسس على المصالح المتبادلة، ومنها الاقتصادية والأمنية والسياسية، وحتى الاجتماعية والثقافية، وتتدخل في ذلك اعتبارات التاريح والجغرافيا وعوامل أخرى معقدة. وهذه الشروط والاعتبارات والعوامل تلعب دورا أساسيا في العلاقات الخليجية التركية.
ومن المعروف أن الندّية هي الشرط الأساسي لاستمرار العلاقات بين الدول وتوازنها وديمومتها. وكلما انحرفت العلاقات عن هذه القواعد دخلت في مجال النزاع والاختلاف. وعادة ما يدبّ الخلاف حين تبرز نوازع الهيمنة والاستغلال، وأخذ العلاقات بعيدا عن التكافؤ. ومن هنا، على المستوى الثنائي، تبقى تركيا أقرب إلى العالم العربي، والخليج خصوصا، من إيران، صاحبة الأطماع المعلنة، والتي لا تخفي نوازع الهيمنة والتفوق ومشاريع السيطرة والاحتلال، كما هو حاصل اليوم في سورية والعراق ولبنان واليمن. وجاء تصريح مستشار مرشد الثورة الجنرال رحيم صفوي، أخيرا، عن تشكيل 82 لواء من الحرس الثوري للقتال في سورية والعراق، ليؤكد أن مشاريع إيران التوسعية في الشرق الأوسط قضية استراتيجية.
على المستوى الثنائي، هناك أكثر من ضرورة لعلاقات خليجية تركية من أجل فائدة الطرفين. وتكمن أسباب ذلك، قبل كل شيء، في تشكيل توازن فعلي أمام أطماع إيران التوسّعية. وفي الوقت ذاته، عدم الخضوع للابتزاز الغربي الذي استنزف ثروات المنطقة منذ عدة عقود، ولم يساعد أهلها على بناء سدٍّ بوجه طموحات إيران وأطماعها، بل بالعكس، تنكّرت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لكل اتفاقات الحماية بين الخليج وأميركا، وخصوصا مع السعودية، ووقّعت عام 2015 الاتفاق النووي مع إيران، وهو الذي منحها صفة الأفضلية في العلاقات على بلدان الخليج، وأمدّها بتمويلٍ هائلٍ صرفت قسطا كبيرا منه على مشاريعها التوسعية في العالم العربي. وإذا تأملنا الخريطة الراهنة، فإن تركيا والسعودية تبدوان أقرب بعضهما إلى بعض، وفي وسعهما، كأهم قوتين عربية واسلامية، أن تحدثا، بتقاربهما، انقلابا استراتيجيا في المنطقة.
المصالحة السعودية التركية صفحة جديدة بعد مرحلة من الشدّ والجذب والحروب الإعلامية، وكانت قضية الصحافي جمال خاشقجي في صلبها، ولذا من الضروري أن تقوم العلاقات الجديدة على الاحترام المتبادل، وفي المقام الأول قوانين الآخر، وهذا يعني أن على الرياض تسوية القضية وفقا للقانون التركي، وبما يرضي جميع الأطراف، ويمنع تكرار أعمال من هذا القبيل، موجهة ضد مواطنين سعوديين أو من جنسياتٍ أخرى.