السويداء تمدّ يدها للسوريين
تبدو محافظة السويداء بعيدة في جنوب سورية، ومثلها مثل محافظات الأطراف، لم يتعرّف عليها غالبية أهل محافظات سورية الكبرى، التي تحتلّ موقع المركز في جغرافية (وتاريخ) هذا البلد المتنوّع والمتعدّد، المتشابه والمختلف، المتشابك والمتفرّق عن بعضه بعضا، لأسباب ذات صلة بالحاضر، وأخرى سابقة للدولة الواحدة، التي تشكّلت بعد نهاية الحقبة العثمانية. ومن لم يسافر إلى السويداء، وصل إليه اسمها المقرون بجبل العرب، المرادف لسلطان باشا الأطرش، الذي يُجمع السوريون على أنه صاحب الرصاصة الأولى التي انطلقت ضد الانتداب الفرنسي، وكان له دور الريادة في إشعال الثورة السورية الكبرى. ويشهد تاريخ سورية اللاحق أن ذلك الرجل لم يفرّط بالرمزية التي احتلها لدى السوريين، كما بقيت هذه المحافظة جديرةً بالوسام الذي علقه الاستقلال عن فرنسا على صدرها.
تقف السويداء اليوم على قدميها، بعد أن باتت أغلب محافظات سورية مدمّرة، أو محتلّة، أو مستباحة، وهي تحاول أن تشكّل حالة مختلفة، وسط هذا الخراب الذي يهدد سورية بلدا ودولة بالزوال، بعد أن تقسّمت إلى مناطق نفوذ، متنازعة، متباعدة، تحكمها المصالح الأجنبية. ولذلك هي تسير عكس التيار الجارف، الذي يجرّ سورية منذ عقد نحو مصير كارثي، وهو ما يتطلّب طاقة جبّارة، ووعيا بثقل الحمل الذي صار ملقىً على ظهرها. وهذا ما يعكسه الخطاب السياسي، والأداء على مستوى الشارع والزعامات المحلية، وخصوصا رجال الدين، وفي المقدّمة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري.
لا يبدو أن الحراك السلمي في السويداء يلقى ارتياحا لدى أوساط محلية وإقليمية ودولية، باتت كلها شريكةً في هدف إبقاء الوضع السوري على ما هو عليه، وتركه يتفسّخ حتى تحين لحظة تقاسم التركة، كي يحصل كل طرفٍ على حصّة منها، وما ينطبق على إسرائيل، ينسحب على إيران وروسيا، فهذه الدول الثلاث تلتقي عند مسألة بقاء رئيس النظام الحالي، بشّار الأسد، في مكانه، وقد منعت، حتى حينه، كل مسعى دولي أو إقليمي من أجل حلّ المسألة السورية، وحالت دون تلاقي السوريين حول تسوية تنقذ بلدهم. ولذلك، لن تأتي المخاطر الفعلية على هذه الانتفاضة المدنية إلا من هذه الأطراف التي تعمل علانية من أجل إيجاد وسائل لتخريبها وحرفها عن طريقها الذي سارت عليه، وقد جرت عدّة محاولات، وجديدها أخيرا قبل أسبوعين، حينما حاولت مليشيات تابعة للأجهزة الإيرانية جرّ المحافظة إلى نزاع أهلي مسلح.
تستطيع السويداء أن تفتح بابا واسعا للأمل. ولهذا ليس خطأ أن يرى فيها قطاع واسع من السوريين ما يشبه الضوء في نهاية النفق، غير أنه لن يكون في وسعها أن تشكّل وحدها رافعة للوضع السوري المنهار، وهي تتقدّم على الطريق السليم بخطواتٍ محسوبة، رغم أنها تواجه مواقف تتأرجح بين الصمت والتحفظ وعدم الاكتراث. وينظر بعضهم إلى الحراك على أنه تأخر 12 عاما، وفي ذلك إجحافٌ من جهة، وتعسّف من جهة أخرى. لو كانت السويداء قادرةً على الخروج بالمظهر الحالي منذ بدايات الثورة لمّا تأخّرت، علاوة على أنها ليست وحدها التي تأخّرت، ثم إن النظر إلى التوقيت على أنه متأخّر، يحمل نظرة فوقية قاصرة، ولا يأخذ في الاعتبار العوامل التي تتحكّم بحركة الشارع الذي لا يخضع دائما لمعادلاتٍ رياضية. وبالتالي، هذا الحراك جديرٌ بمواقف مختلفة، تسانده كي يتطوّر أكثر، وتحمل قسطا من الحمل الثقيل، وتستجيب لما تطرحه مهمة الخلاص من النظام، واستعادة سورية من الاحتلالات الأجنبية، خصوصا أن مواقف إقليمية ودولية مؤثرة بدأت تعلن عن فشل محاولة التطبيع مع النظام من بعض الدول العربية، بضوء أخضر دولي.