السيسي ضد العالم
يطالبك السيد مكرم محمد أحمد، حاكمدار الإعلام الحكومي المصري، بالمشاركة في الانتخابات، كيداً للمراسلين الأجانب.
صرخة مكرم، أو لوثته، تأتي في سياق هستيريا وطنية مصطنعة ضد العالم الخارجي، الوغد، الذي يناصب مصر العداء، ويتآمر عليها.. هذه اللوثة التي لم تتحمل وجود الصحافية البريطانية التي تعمل في القاهرة منذ سنوات، مراسلة صحيفة التايمز البريطانية، بيل ترو، وأجبرتها على الرحيل بعد اعتقالها نحو سبع ساعات، حيث خيرتها السلطات بين مغادرة مصر أو مواجهة محاكمة عسكرية.
في السياق أيضاً، يقطع الإعلامي معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، شوطاً أبعد على تراك العري المهني والسياسية، حين يقول إن ما تسمى الانتخابات الرئاسية في مصر هي منافسة محتدمة بين اثنين من مرشحي الداخل، هما عبد الفتاح السيسي، وشخص اسمه موسى مصطفى موسى، من جانب، وعشرة منافسين متربصين في الخارج، يتقدمهم رئيس تركيا وأمير قطر، ثم جماعة الأخوان المسلمين وإيران وإسرائيل وأميركا وداعش والغرب كله، والذين يتحدثون عن الثورة والحقوق والحريات.
لا تشغل نفسك كثيراً بجرأة مكرم محمد أحمد والكاتب المثالي معتز عبده، في السطو على حقوق الملكية الفكرية لمؤسس مدرسة إعلام العكاشية، توفيق عكاشة، فهذا وارد جداً في عصور الانحطاط السياسي.
ما يلفت النظر هنا إن الأستاذ مكرم، عدو الصحافة الخارجية والمراسلين الأجانب، هو صاحب الرقم القياسي في استقبال وفود الصحافة الصهيونية، في مكتبه بالقاهرة، عندما كان نقيباً للصحافيين ورئيساً لتحرير مجلة المصور. وفي ذلك يروي الكاتب الراحل، شفيق أحمد علي، في سلسلة حلقات عن أهل التطبيع، أنه بعد أربع سنوات من القرار الذي صدر من الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصريين عام 1980 بحظر التطبيع مع "الإسرائيليين" .. نشرت مجلة أكتوبر في يوم الأحد 29/4/1984 خبراً دامغاً، ذكرت فيه إن مكرم محمد أحمد، وكان وقتها رئيساً لتحرير مجلة المصور (استقبل هذا الأسبوع في مكتبه، عدداً من "الإسرائيليين" أعضاء حركة السلام الآن "الإسرائيلية"، وهم: يورام بن بورات، وجانيت أميغاد، وموسى بن آرتس، ودادا بن شتريت). وكتبت مجلة أكتوبر، في الخبر نفسه، إن شمعون شامير الذي كان وقتها رئيساً لوكر التجسس، المسمّى المركز الأكاديمي "الإسرائيلي" في القاهرة (قد حضر اللقاء، وأثنى عليه). ويضيف أن السيد النقيب القدوة استقبل في مكتبه في مجلة المصور اثني عشر صحفياً "إسرائيلياً" لا "إسرائيلياً" واحداً، ولم تحقق معه النقابة حتى الآن.. فضلاً عن أن سفارة العدو الصهيوني في القاهرة تضعه منذ عام 1984 في (قائمة) المتصهينين المصريين الذين تسميهم السفارة، في أوراقها الرسمية، ويظهر فيها اسم كل من مكرم محمد أحمد، وأنيس منصور، وصلاح منتصر، وحسين سراج.
أما هذا المعتز بالله عبده، والذي هبط من أميركا، رأساً، على الثورة المصرية في 2011، باعتباره مصرياً أميركياً، فإنه في غمرة التطبيل لمشهد الانتخابات الركيك، وضع واشنطن في قائمة المنافسين الأوغاد الذين يتربصون بمصر، لكنه فاته أنه هو شخصياً كان أول من بشر بحصول قاهرة عبد الفتاح السيسي على دعم واشنطن الكامل، بعد زيارة السيسي الشهيرة للولايات المتحدة، وتصريحه العجيب إن ترامب سيجده رهن إشارته وقتما أراد، إذ قال المعتز في ذلك الوقت نصاً إن:"أمريكا ترى أن السيسي رجل رائع، وتعهد ترامب بدعوة السيسي لزيارة البيت الأبيض، وهي الزيارة التي تجري في الوقت الحالي، كما أعرب عن رغبته في زيارة مصر، ويرى أن السيسي رئيس وقائد أنقذ بلده من المخاطر، ومن مصير مجهول، مثل بعض الدول العربية في الوقت الحالي".
يعلم هذا الذي يعرّفونه بأستاذ العلوم السياسية أنه يكذب ويدلس على الناس، ويوقن أن كل الوقائع على الأرض تؤكد أن السيسي موجود في السلطة، لأن واشنطن وتل أبيب أرادتا ذلك، ويدرك جيداً أن حكومات الغرب قرّرت التضحية بكل تراثها من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، إسناداً لعبد الفتاح السيسي الذي يقدم نفسه لهم باعتباره "بودي جارد" المنطقة، منخفض التكاليف الذي يحميها من مخاطر إرهاب، هو صانعه وصديقه وشريكه، إن لم يكن هو الإرهاب ذاته.
هم يعلمون ذلك كله، لكنها الرغبة الطائشة في ابتزاز الجماهير وإرهابها بشبح الخطر الخارجي، كي تذهب للمشاركة في ملهاة القرن التي يسمونها انتخابات.