السيّد بلا بوصلة
حين كان السيد حسن نصر الله يوجّه السلاح إلى إسرائيل، لم يكن يختلف بشأنه عربيان، بل كان يستحقّ لقب سيّد المقاومة فعلاً. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يمتلك برنامجاً خاصاً بلبنان، فإنه استطاع أن يكبر ويتمدّد ويتصدّر المشهد، لأنه حزب المقاومة. ولهذا السبب، غضّ قطاع واسع من اللبنانيين النظر عن هذه المسألة، واعتبروا أن انشغال الحزب بالمقاومة يعفيه من التفرّغ لشؤون الداخل، على الرغم من أن المعطيات كافة كانت تشير إلى أن الحزب يعتبر القوة العسكرية تغنيه عن أي نقاش آخر.
استحقّ نصر الله التقدير عام 2006، حينما تمكّن حزب الله من أن يواجه العدوان الإسرائيلي على لبنان. ولهذا السبب، لم يتوقف الشارع العام أمام تجاوزاته في الداخل، ومنها، بالخصوص، اجتياح بيروت في 8 مايو/ أيار 2008.
وضع حزب الله العصيّ في دواليب الحياة السياسية اللبنانية، ولم يستطع أحد من الأطراف الداخلية أن يمنعه من ذلك، لأنه كان يتذرّع بالمقاومة التي حرّرت جنوب لبنان، ووضعت حداً للعربدة الإسرائيلية في لبنان. وعلى الرغم من أن إنجاز التحرير عملية تراكمية، بدأت قبل تأسيس حزب الله، من خلال المقاومة الوطنية اللبنانية، فإنه يُسجّل للحزب تحويل المقاومة إلى عقيدة وحالة شعبية، على طريق استمرارها عامل ردعٍ في وجه تجاوزات إسرائيل وأطماعها في لبنان.
ولأن التحرير إنجاز كبير، فإن الشارع اللبناني غفر الكثير من أخطاء الحزب وتجاوزاته، وتفهّم علاقته الخاصة بالنظامين السوري والإيراني. وكانت التبريرات تتحدث دائماً عن تحالف الضرورة الذي تمليه حاجة الحزب إلى حاضنة إقليمية، ودعم عسكري ومادي لمواجهة إسرائيل. ولم يخطر في بال أحد أن الحزب يمكن أن يتحوّل كليّاً إلى أداةٍ في مشروع إيراني أو سوري، أو يتم تجييره للدفاع عن هذا النظام أو ذاك، ذلك أن المقاومة تستمدّ قوتها وبُعدها الجماهيري من مواقفها الأخلاقية والإنسانية.
اهتزّت صورة السيّد وحزب الله بسبب تدخله في سورية إلى جانب النظام عسكرياً، لمقاتلة الثورة السورية. ويؤكد العارفون أن الأمر لم يكن سهلاً على الحزب، وقد عاش فترة تردّد، استمرت قرابة العام، قبل أن يتدخل في صورة علنية ومباشرة إلى جانب النظام السوري. وهناك مَن يعتبر أن الضغط الإيراني على الحزب هو الذي دفعه إلى حسم موقفه، والانخراط في المعركة. واجتهد نصر الله لتغطية المشاركة في سفك دماء سورية، وتهجير سوريين استقبلوا أهل جنوب لبنان في بيوتهم عام 2006، لكنه لم يفلح في ذلك، فخسر الحزب كل تعاطفه الداخلي والخارجي، ولم يبق لديه غير الحاضنة الطائفية التي عمل على ربطها به، وأشعرها بأن مصيرها يتعلّق بمصيره.
كانت حصيلة حزب الله من المغامرة السورية خسارة سياسية وعسكرية وأخلاقية، وابتعاداً عن حلفاء حقيقيين، مثل حركة حماس التي أبت أن تغامر برصيدها الأخلاقي من أجل دعم النظام السوري. والغريب أن "الجفاء" بين الحزب و"حماس" انسحب على موقف الحزب من العدوان الإسرائيلي على غزة. وفي وقت كان الاعتقاد السائد أن يسند الحزب المقاومة في غزة، فإنه اكتفى بالفرجة.
موقف الحزب من العدوان على غزة لا يمكن تفسيره استناداً إلى التزام الحزب باتفاق 1701 فقط، وإنما إلى تحوّل في وظيفته ودوره. فبعدما كانت البوصلة في اتجاه العدو، انحرفت نحو الداخل، وصار الحزب مثل سائر الميليشيات بلا قضية. ولهذا، فإنه بات يولي دوره في سورية أهمية أكثر من اهتمامه بجبهة جنوب لبنان التي تحولت منذ 2006 إلى جبهة صامتة شبيهة بالجولان.
تقول أوساط حزب الله إنه لا يستطيع أن يساند المقاومة في غزة عسكرياً، لأنه لا يستطيع أن يفتح جبهتين في آن واحد، والمقصود تدخله العسكري في سورية. وسواء صحَّ هذا التبرير أم لم يصح، فإن الحزب سقط في الامتحان، لأن مكانه الطبيعي هو في مواجهة إسرائيل، وليس القتال في دير الزور.