الشاعرة أم "لعبة" جائزة نوبل؟
أخبرنا العارفون بشعر الأميركية لويز غليك (77 عاما) بأنها شاعرة جيّدة ومتجدّدة، بل ورائعة أيضا، وأن فوزها أمس الخميس بجائزة نوبل للآداب مستحق. وتجيزُ قراءة شيءٍ من القليل الذي تُرجم لها إلى العربية (لها 12 مجموعة شعرية منذ 1968) القول عن موهبةٍ ظاهرةٍ لدى صاحبة هذا الاسم الذي دخل نادي الجائزة العتيدة. والأدعى أن نقرأها بالإنكليزية، أو أقلّه بترجمةٍ عالية. وأهل مكّة أدرى بشعابها في شأن المختارات من أربع مجموعاتٍ لها في ترجمةٍ بالعربية، صدرت عن دار الجمل في بيروت (بالاشتراك مع دار كلمة في أبوظبي) العام 2009. ويدلّ المنظور الذي تصدر عنه الشاعرة لويز غليك، في كتابتها قصيدتَها، على عميق إدراكها الجوهريَّ في الشعر الذي تريد، إذ تقول إن ما يجذبها هو "المُضمَر الذي لا يُقال، الإيحاء، الصمت المتعمّد البليغ. ما لا يُقال في القصيدة يضمر قوة أكبر غالبا". وتقول أيضا إنها تتمنّى "أن تصنع قصيدةً كاملةً من هذا التعبير، أي ما لا يُقال، فهو يوازي غير المرئي مثلا".
عدم معرفتنا بالشاعرة لويز إليزابيث غليك، المدرّسة في جامعة ييل في نيويورك (هل الاستفاضة مهمة أنها يهودية ومنفصلة عن زوجها؟) لا تجيز لنا حكما مسبقا عليها، إنْ كان شعرها يستحقّ التكريم بالجائزة الكونية الأشهر أم لا. ولكن "الحيثية" التي أعلنتها الأكاديمية السويدية في استوكهولم أمس عنه، وبدت سببا لمنح صاحبته الأميركية (من أصل مجري) جائزة نوبل للآداب لعام 2020، لا تبدو قويةً إلى الدرجة التي تسوّغ فوزها، فانشغال هذا الشعر بالطفولة والأسرة والوالدين والأشقاء، وكذا استلهامه أساطير في معظم أعمال غليك، لا يبدوان خصوصيّتين تنفرد بهما قصائد غليك عن قصائد شعراء آخرين (بينهم عرب كثيرون) أتقنت الأمريْن هذين. ويبقى الحكم، في نهايات جدلٍ نافلٍ مثل هذا، متعلقا بجماليّات القول الشعري ومنسوبها، وليس بالموضوعات، إن كانت الطفولة أم الشيخوخة مثلا.
هذا بشأن الشاعرة التي لم يحضر اسمُها في التوقّعات (والتمنيات) التي بسطها كتّاب ومعلقون في الصحافات الثقافية في غير بلد بشأن اسم الفائز أو الفائزة بالجائزة. ما قد يُضاعف وجاهة القول الذي صرنا نضجر من تكراره في مواسم "نوبل للآداب"، إن الأعضاء الـ 18 في الأكاديمية السويدية التي تحتكر تسمية الفائز، والذين دوّت فضيحة كبرى قبل عامين بشأنهم، كأنهم يتعمّدون "مفاجأة" العالم باسمٍ خارج التخمينات والترجيحات، بل وربما صاروا يستطيبون هذه "اللعبة"، سيما وأنهم يواظبون، منذ سنوات، على ما يجوز، لمحض المفارقة هنا، على "معاقبة" الأسماء الشهيرة، وعالية الكعب، والجديرة بكل بداهةٍ، بالجائزة، بتنحيتها عنهم، ومنحها لاسمٍ لا ذيوع له، وإنْ يحدُث أن يكون في منزلةٍ طيبةٍ أدبيا. وربما كانت "مزحة" إعطاء أولئك الناس الجائزة للمغنّي الأميركي، بوب ديلان، قبل أربعة أعوام، شاهدا على هذه الفرضية التي لا أدلّة على صحّتها سوى خيبات التوقّعات السنوية. وهذه أسهم الألباني إسماعيل كاداريه (أعطته إسرائيل جائزة القدس) كانت عاليةً هذا العام، كما ظلّت منذ أعوام ليست قليلة، وكذا الكيني نغوجي واثينغو، والتشيكي ميلان كونديرا، هذا إذا نحّينا أدونيس والياباني هاروكي موراكامي وغيرهما. وإنْ "زبطت" عند الذين رجّحوا أن الجائزة ستكون للأدب الأفريقي أو للنساء الكاتبات، فجاءت لويز غليك لتكون المرأة الـ 16 بين الفائزات منذ العام 1901، يوما بعد فوز عالمتين بجائزة نوبل في الكيمياء، وجاء الشعر ليكون محلّ التكريم، في زمنٍ يشحّ فيه الشعر الصافي والجميل، وفي زمن الكآبة التي صنعها كوفيد 19.
ليكن نيل شاعرةٍ مقتدرةٍ إذن مبعث غبطة. ولكن ليس في وسعنا، نحن العرب، ومعنا شركاؤنا العالمثالثيون، أن نتخفّف من شعور متوطّن فينا بأن مركزيةً غربية (أوروبية وأميركية)، وبيضاء، تتقصّد التعامل معنا بالفوقية إياها، عندما لا ترانا، إلا أحيانا قليلة، عندما يصرف "كرادلة" الأكاديمية السويدية، بطوطميّتهم السنوية، أبصارهم عنا، نحن العرب، وعن غيرنا، الآسيويين والأفارقة مثلا، ففينا شاعراتٌ وشعراء وروائيون وروائياتٌ كتبوا عن الطفولة والأسرة والأشقاء، واستلهموا الأساطير (أدونيس اسم أسطورة بالمناسبة)، كما تفعل لويز غليك، وإنْ هي شاعرةٌ كبيرةٌ ومجدّدة، وعميقةٌ وملتزمة، على ما "غرّد" عنها أمس الناقد صبحي حديدي الذي كان قد ترجم لها إلى العربية قصائد مشرقة.