الشرق الأوسط في عين العاصفة الأوكرانية
يتابع الشرق الأوسط بقلق شديد مجريات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما يمكن أن تسفر عنه من تغييرات على حال المنطقة التي تعيش صراعات حادّة. وهناك أكثر من مؤشّر على حصول تطوراتٍ لم تكن في حسابات أحد، أولها التحرّكات الإسرائيلية تجاه موسكو، وكان لافتا زيارة وفد إسرائيلي كبير إلى موسكو، يضم رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الخارجية يائير لبيد وشخصيات أخرى، مثل زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، المتحدر من مولدوفا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي، والذي يشكل اليهود الروس خزانه الانتخابي. وقال مسؤول سياسي إسرائيلي كبير إن تنسيق الزيارة جرى مع واشنطن وبرلين ولندن وباريس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وهناك من أراد أن يضعها في إطار وساطة، بينما اعتبرها بعضهم من أجل بحث وضع اليهود الأوكرانيين، ولكن أكثر التقديرات قربا من الواقع أنها نابعة من القلق على التفاهمات الروسية الإسرائيلية في سورية. وهذا ما يفسّر عدم الرد من تل أبيب على ضغوط واشنطن من أجل تحديد موقف إسرائيلي رسمي من الغزو الروسي لأوكرانيا، ويصبح الأمر أكثر وضوحا، إذا أخذنا في الاعتبار ما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت، التي قالت إن قيادة الجيش الإسرائيلي ضغطت على حكومة بينيت لاتخاذ موقف محايد من الحرب.
والمؤشّر الثاني التقاطعات التي بدأت تظهر بين غزو أوكرانيا والمسألة السورية التي تعاني من الجمود منذ حوالي عامين. وفجأة، بدأ مسؤولون من إدارة الرئيس جو بايدن يتحدّثون عن المأساة السورية، التي لم يكلفوا أنفسهم عناء تحديد خطوط سياسية عريضة تجاهها منذ وصولهم إلى البيت الأبيض منذ أكثر من عام. ومهما يكن، أمر إيجابي أن يغادر المسؤولون الأميركيون الصمت، ويعترفوا بأن أحد أهم أسباب المأساة السورية هو التدخل الروسي في سبتمبر/ أيلول 2015 لحماية نظام بشار الأسد والحيلولة دون سقوطه، وكان ثمن ذلك المجازر التي ارتكبها الروس في كل سورية، وهم يتحمّلون مسؤولية التدمير والتهجير. والأهم ألا تكتفي واشنطن بالكلام، بل عليها التكفير عن أخطاء إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي سلم الملف السوري إلى روسيا في عام 2013، وقاد عملية عدم محاسبة النظام بسبب مجزرة الغوطة التي استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي وقتل أكثر من 1600 مدني.
ويتمثل المؤشّر الثالث في موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا، فهي من جهة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومرشّحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ نصف قرن. ومن جهة ثانية تربطها علاقات متينة مع كل من روسيا وأوكرانيا. وسواء صمدت هذه المعادلة أم لا، فالمؤكّد أن تركيا سوف تتأثر تبعا لتطورات الحرب وتداعيات العقوبات الغربية على روسيا. ومن هنا، يمكن رؤية تحرّك أنقرة للقيام بوساطة بين موسكو وكييف، وهذا دورٌ مهم جدا، يمكن أن تلعبه أفضل من غيرها، ولكن النجاح مشروطٌ بتنازلات روسية أميركية.
أما المؤشّر الرابع، فإنه يتجلى بالموقف الإيراني. ومن غير المستبعد أن طهران كانت على اطلاع، بما سوف تُقدم عليه موسكو، وربما كانت صلاة الرئيس إبراهيم رئيسي بين جدران الكرملين في التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، من باب الدعاء بالتوفيق. وما تطمح إليه طهران هو مزيد من التمكين والهيمنة في الشرق الأوسط، وخصوصا في سورية الساحة التي تتشارك فيها العمل مع موسكو، ولا يمكن هنا تجاهل الاتفاق النووي الذي كان يقترب من اللحظة الحاسمة قبل اجتياح أوكرانيا، وهناك دعوات اليوم لوضعه على الرفّ، وهذا أمر لا يزعج إيران مرحليا، فهي كلما تأخر الاتفاق تقدّمت خطوات نحو صناعة السلاح النووي الذي باتت حاجتها إليه اليوم أقوى من أي وقت مضى.