الشرق الأوسط والسبع السمان

11 مايو 2021
+ الخط -

بداية، نتفق أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لا تختلف عن إدارة سلفه دونالد ترامب، في سعيها الحثيث إلى تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية، بل ربما لا مبالغة في القول إنّ كلتا السياستين وجهان لعملة واحدة، فلا فرق بين ديمقراطي وجمهوري في ما يخص قضايانا، إلاّ بالقدر الذي قد تتوافق فيه مصالحنا مع مصالحهما في لحظة فارقة، ولا يبدو أنّ ذلك ممكن بعد أكثر من نصف قرن من التجربة.
اليوم وفي ظل هذه الإدارة الجديدة، إدارة جو بايدن الديمقراطي، هناك تسارع وحراك لا يخفيان على متابع، ولملمة لقضايا شائكة ومعقدة كثيرة في منطقتنا، الشرق الأوسط، بل لا مبالغة في القول إنّ هذه التحرّكات بدت، في بعض الأحيان، غير منطقية بعد سنوات من الجفاء والتعقيدات والحصارات والمقاطعة، والتي وصلت، أحياناً، حتى إلى التهديدات العسكرية، فما عدا مما بدا؟

هناك حاجة أميركية ملحّة من أجل إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط المتعب والمرهق، والذي تعتقد إدارة بايدن أنه يحتاج إلى شرطي جديد

في واقع الحال، تبدو إدارة بايدن مستعجلةً لإغلاق كثير من ملفات الشرق الأوسط التي باتت عبئا كبيراً على الولايات المتحدة التي صارت على مقربة من أن تسلم الزعامة الاقتصادية للصين التي يبدو أنّها استغلت، جيداً، هذا الانغماس الأميركي في قضايا المنطقة والعالم، لتتغوّل وتتمدد وتنافس، حتى في عقر دار الولايات المتحدة.
ليس هذا فحسب، بل في الأمر أبعاد أخرى. صحيحٌ أنّ الصين، المنافس الأول للولايات المتحدة، خطر يتهدّد زعامة أميركا الاقتصادية، لكن ليس وحده الذي دفع واشنطن إلى هذا الحراك وتحريك الملفات التي كانت نائمة، وتشغيل ماكينة المصالحات، بعد سنواتٍ من المناكفات، هناك اليوم حاجة أميركية ملحّة من أجل إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط المتعب والمرهق، والذي تعتقد إدارة بايدن أنه يحتاج إلى شرطي جديد. لم تعد الولايات المتحدة راغبة بأداء هذا الدور، تعتقد اليوم أنّ بقاءها في المنطقة بات مكلفاً على كلّ الصعد، بالتالي لا بدّ من شرطي يخلفها، يقوم بتسيير الأمور بما لا يتعارض مع مصلحة واشنطن، ولعلّ أفضل المؤهلين للعب هذا الدور دولة الاحتلال الإسرائيلي.

تدرك واشنطن جيداً أنّ عودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران لا تعدو أن تكون وسيلة ضغط على طهران

يقيناً أنّ سنوات من التغول الإيراني في المنطقة، برعاية أميركية، وصعود نجم طهران قوّة إقليمية مع ما يشمله ملفها النووي المثير للجدل من مخاوف لدول المنطقة، كل هذه الأسباب دفعت بعض الدول العربية إلى الاعتقاد أن مصلحتها في التحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، اعتقاد سَهّل لتل أبيب كثيراً من العمل اللوجستي ضد طهران. وهنا لا بد أن نشير إلى سرقة إسرائيل نحو نصف طن من ملفات البرنامج النووي الإيراني، والتي أعلن عنها نتنياهو في مؤتمر صحافي قبل نحو عامين ونصف العام، وما كانت لتتم لولا مساعدة دول بعينها.
اليوم، تدرك واشنطن جيداً أنّ عودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران لا تعدو أن تكون وسيلة ضغط على طهران، فكلّ الدلائل تفيد بأنّ التحكم بالبرنامج النووي الإيراني بات بيد تل أبيب وليس بيد طهران، بعد الكمّ الهائل من الوثائق التي تمت سرقتها. وبالتالي، فإنّ العودة إلى هذا الاتفاق ستكون سيفاً مسلطاً على رقبة طهران التي تدرك ذلك جيداً، والتي باتت اليوم تبحث، هي الأخرى، عن أبواب المصالحة والتهدئة في المنطقة، ولعلّ ما تم في بغداد من لقاءات بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين يؤكد ذلك.

قد نشهد في الفترة المقبلة لقاءات مباشرة بين الرياض وطهران، وقد نشهد لقاءات مباشرة بين القاهرة وأنقرة، ومثلها بين أنقرة والرياض

صحيحٌ أنّه ما زالت لدى طهران أوراق لعب، لكنّ واحدة من أقواها ملفها النووي الذي بات محاصراً، لتبقى الأوراق الأخرى وسائل ضغط ومقامرة لتحقيق هدف هنا وآخر هناك، سواء في ما يتعلق بنفوذها في العراق الآخذ بالتآكل أو في اليمن أو في سورية أو حتى في لبنان الذي بات يعاني من ضغط وجود حزب الله وعبئه، ربما بشكل أكبر من أي وقت مضى.
اليوم وبعد سنوات من الشدّ والجذب الذي شهدته المنطقة، وحرب المحاور التي رعتها واشنطن، تجد المنطقة نفسها مكبّلة أكثر من أي وقت، بمشكلاتها وتعقيداتها وتقاطعاتها. وفي خضم ذلك، تأتي الرغبة الأميركية بالانسحاب من ملفات الشرق الأوسط، لتسارع العواصم المتقاطعة والمتصارعة حتى، إلى إعادة ترتيب أوراقها بحثاً عن سنواتٍ سمان، يعقبن سنواتٍ عجافاً، وصلت فيها المنطقة إلى أتون حربٍ مباشرة، وليست فقط حرباً بالوكالة.
نعم، قد نشهد في الفترة المقبلة لقاءات مباشرة بين الرياض وطهران، وقد نشهد لقاءات مباشرة بين القاهرة وأنقرة، ومثلها بين أنقرة والرياض، بل قد نشهد ما هو أبعد من ذلك، وهو تأهيل بشار الأسد ونظامه القمعي، ومن غير المستبعد أن نرى وفوداً عربية إلى دمشق، بعد سنوات من القطيعة.

هل ستنجح الأنظمة العربية في إيجاد أرضية تعاونٍ مشترك، سواء بينها أو بين أقرب الأنظمة الإقليمية لها؟

قد تحمل سنوات بايدن، وربما الذي بعده، هدوءاً واستقراراً للمنطقة، خصوصاً إذا ما أدرك طرفا اللعبة، ولا نقول الصراع، إيران وإسرائيل، أنّ هناك حاجةً لمثل هذه التهدئة في ظلّ تصاعد حملات الكراهية ضد كليهما من شعوب المنطقة؛ بعد سنواتٍ من الحروب والصراعات التي لم تكن غائبةً عن أصابع عبثهما في كلّ من طهران وتل أبيب.
لكن السؤال، هل ستعرف الدول العربية، ومعها تركيا، كيفية الاستفادة من هذه التهدئة المطلوبة أميركيا اليوم؟ هل ستنجح الأنظمة العربية في إيجاد أرضية تعاونٍ مشترك، سواء بينها أو بين أقرب الأنظمة الإقليمية لها، تركيا أو حتى إيران، للتأهب لأي طارئٍ قد تحمله تغييرات أشرعة المصالح الأميركية مستقبلا؟ أشك في ذلك.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...