العقبة: جبهة إنقاذ إسرائيل
لم يأخذ أحدٌ رأي فصيل فلسطيني واحد في عقد ما سميت "قمة العقبة" التي ساقت لها واشنطن ممثلين لمصر والأردن والكيان الصهيوني وسلطة رام الله، وانعقدت من أجل إيقاف المد الفلسطيني المقاوم في نابلس وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية.
لم يعط أحدٌ من الفلسطينيين، حركات مقاومة أو تجمّعات سياسية وشعبية، موافقة لأحد لكي يتحدّث باسمهم أو يناقش ويفاوض باسمهم، باسثناء سلطة محمود عبّاس، المدعومة إسرائيليًا مقابل القيام بوظائفها في إخماد أي مشروع للمقاومة، تحت مسمّى التنسيق الأمني الذي تتلقّى من خلاله الدعم المالي والاستراتيجي من واشنطن وتل أبيب.
أعلنت كل الفصائل الفلسطينية المقاومة رفضها القاطع انعقاد قمة العقبة التي تشارك فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مع القاهرة وعمّان وواشنطن، ومحمود عبّاس، وسجلت موقفًا واضحًا من أن هذا اللقاء لا يمثل الشعب الفلسطيني ولا يخدم مصالحه، كما فضّل الشعب الفلسطيني أن يقول رأيه، بالفعل لا بالكلام، في هذه القمّة التي نبتت شيطانيًا فنفّذ مقاومٌ من نابلس عملية بطولية أسفرت عن مقتل اثنين من المستعمرين الصهاينة، بالتزامن مع القمة المنعقدة بين تل أبيب وأصدقائها العرب.
حركة مقاطعة إسرائيل سجلت إدانتها "مشاركة جهاتٍ رسمية فلسطينية في اجتماع العقبة الأمني مع قيادات العدوّ الإسرائيلي، الذي يُعقد بإملاء أميركي وبمشاركة حكومتي مصر والأردن، بحجّة البحث عن سبل "التهدئة في الأراضي الفلسطينية"، كما قالت في تغريداتٍ لها، وهو الموقف الذي تجده عند كل مواطن عربي محبٍّ لفلسطين ومؤمن بعدالة قضيتها، ويسمّي العدو عدوا ويعرّف الاحتلال بأنه احتلال.
إذن، تقول كل المعطيات إنها قمة من أجل إسرائيل، وليست من أجل الشعب الفلسطيني، الذي يُبدع في وسائل جديدة للمقاومة التي قرّرت أن يكون الدم بالدم وتردّ الصاع صاعين على اجتياح قوات الاحتلال المدن الفلسطينية وارتكاب المذابح بحقّ الفلسطينيين.
لم تحرّك الأطراف العربية المشاركة في اجتماع جبهة إنقاذ إسرائيل في العقبة ساكنًا أمام العدوان أخيرا على نابلس، إذ تبدأ حركتهم دائمًا بعد الاعتداء الصهيوني، وقبل الرد الفلسطيني المناسب لحجم الاعتداء، ومن ثم بات مستقرّا في وعي الفلسطيني أن حركتهم تكون من أجل إسرائيل وبناء على استدعاء منها كلما استشعرت الخطر.
نابلس بالتحديد، بعرين أسودها، أدركت، منذ وقت طويل، أن أحدًا في السلطة الفلسطينية أو النظام العربي سيبكي عليها أو يحمل همّها. لذا كان الردّ الأقوى على اجتماع العقبة منها، إدراكًا منها أن سلطة التنسيق الأمني ليست سوى واحدةٍ من أدوات الآلة الأمنية الإسرائيلية، تحتقر المقاومة وتعاديها أكثر مما تفعل إسرائيل.
نابلس التي لا تنسى كلمات محافظها المعيّن من محمود عبّاس التي طعنت في أمهات المقاومة، حين قال المحافظ اللواء إبراهيم رمضان على مرأى ومسمع من الجميع: "هنالك أمّهات شاذّات يرسلن أبناءهن إلى الانتحار، ويظهرن للآخرين أنهن مناضلات، هذه ليست أمّاً". هذا الرجل لم يخجل من نفسه وهو يعلن أن أقصى ما يمكن تقديمه لفلسطين أنه أجرى اتصالاتٍ مع المقاومين في المدينة من أجل الوصول إلى اتفاقٍ لتسليم سلاحهم والحصول على عفوٍ لهم من إسرائيل.
توفّر نابلس فرصة تاريخية الآن لمحمود عبّاس لكي ينظّف سجل السنوات العشرين الماضية مما علق به من ملوّثات صهيونية، وتفتح أمامه بابًا لإنهاء حياته بعمل واحد محترم، وتحرّره من أسر النظام الرسمي العربي الذي يريده ممثلًا لسلطةٍ تضمن لهم ديمومة التطبيع الآمن مع العدو.
يمكن لمحمود عبّاس في هذه اللحظة التاريخية أن يفرض نفسه قائدًا سياسيًا لمشروع تحرّر وطني فلسطيني حقيقي، لكن ذلك مرهون بإرادة الانفصال عن محور عرب إسرائيل في قصور الحكم العربية والتمرّد على نصوص تلمود أوسلو، والانتماء لأحلام الشعب الفلسطيني المشروعة في التخلّص من احتلال عنصري بغيض.