11 نوفمبر 2024
العوامية والحج.. وغيرهما
جاء طيّبا من وزارة الثقافة والإعلام السعودية مساءلة لجنةٍ مختصةٍ فيها الداعية السلفي، علي الربيعي، تمهيدًا لإحالته إلى النيابة العامة، بعد دعوته في "تويتر" (288 ألف متابع) إلى عدم الترحّم على الفنان الكويتي، عبد الحسين عبد الرضا، وإساءته إلى الراحل بألفاظٍ طائفيةٍ مقيتة. وتشجّع هذه الخطوة على أن تدعو هذه السطور السلطات المختصّة في المملكة إلى أن تنتبه إلى ما يتفشّى في وسائط إعلامٍ غير قليلة بين ظهرانيها من استسهالٍ مريع لرمي كثيرين بالتكفير والخروج عن الدين، ومن ابتذالٍ عجيبٍ لنعت ناس، سعوديين وغير سعوديين، وكيانات وتشكيلاتٍ سياسية، بالإرهاب. ويسهم مشايخ ودعاة وأصحاب مواقع في المؤسسة الدينية النافذة في إشاعة هذا كله وغيره، وهؤلاء هم الذين يُفترض أن يكون لهم صوتٌ في مطالبة السلطة الحاكمة بتيسير وصول المسلمين في أركان الأرض إلى المشاعر المقدّسة لأداء فريضة الحج، الأمر الذي لا يحظى به القطريون والمقيمون في بلدهم، ممن يتطلعون إلى تأدية المناسك بعد أيام. وكان الظن أن سماحة الإسلام ستتغلب على مناكفات السياسة وخلافاتها، فيعمد أهل القرار في المملكة إلى تأمين المعروف الأوْلى به الجيران الأقربون القطريون، فيبتعد تنسّك هؤلاء (الأشقاء؟) لرب البريّة في مكة المكرمة عن أجواء الشحن السياسي المعلومة، الراهنة المفتعلة. وفي البال إنه كان مسفّا أن يعمد دعاةٌ ومشايخ في المملكة إلى نعت الحجاج الإيرانيين الذين لم تتيسّر لهم سبل تأدية الفريضة العام الماضي، في عملية تسييسٍ للجح شاركت فيها طهران والرياض، بأنهم صفويون ومجوس.
وهذه الأحداث المؤسفة، والمروّعة على ما تقول صحفٌ أجنبيةٌ ومنظمات حقوقية، في بلدة العوامية (في المنطقة الشرقية) مستمرةٌ منذ مايو/ أيار الماضي، تخوض في شأنها صحف وفضائيات ومواقع إلكترونية في المملكة، فتنعت من تشاء بالإرهاب، وكيفما اتفق. ومع تأكيد صاحب هذه الكلمات على رفض مواجهة سلطات الدولة بالسلاح، إلا أن من قلة العقل أن يعرف واحدُنا حقائق ما يجري في البلدة من المرويّات الحكومية الرسمية وحدها، وهي تتحدّث عن مشروع إعمار تطويري في البلدة، استدعى أعمال هدمٍ وإزالةٍ في منطقةٍ قديمة، فيرفضه إرهابيون مسلحون، يشتبكون مع قوى الأمن، وأن السلطة توفر للسكان المتضررين منازل مؤقتة. ولمن أراد أن يتلقّى هذه السردية، بكل ما فيها، فهذا شأنه، غير أن الأدعى إلى إعمال العقل فيه هو السبب الذي يدفع شبّانا من العوامية (30 ألف نسمة) إلى حمل السلاح في وجه الدولة، لمجرد معارضة مشروع بناء، وما إذا كان صحيحا قول "ناشط مسلح" إنه كان متظاهرًا سلميا، ثم قرّرت الحكومة أنه إرهابي، وروّعت أهله وأسرته. وهل "هيومان رايتس ووتش" مغرضة عندما تقول إن الدمار الواسع في العوامية تسبّبت به قوات الأمن. ويثير تقرير في صحيفة الإندبندت البريطانية حزمةً أخرى من أسئلة، تبقى بلا إجاباتٍ محسومة، وتتصل حكما بأزمة حادّة بين السلطة وسكان البلدة، وربما سكان المنطقة الشرقية كلها، من الأقلية الشيعية، على ما يكتب عارفون ومتابعون. وفي التقرير إن الوضع "صادم" هناك، حيث "حرب سرية بين الأمن السعودي ومحتجين مسلحين"، و"إن البلدة المحاصرة تبدو، وهي تغطيها الأنقاض ومياه الصرف الصحي، كأنها ساحة معركة في سورية".
ليس المقام هنا هو السخرية من ثرثرة معلقين في جرائد سعودية (ومصرية!) إن قطر وراء هذه الاضطرابات، وإنما هو إشهار قلق مسوّغ من ظواهر غير قليلة تستجدّ في المملكة التي يجدر التأكيد دائما أن استقرارها وأمنها وتماسكها رصيدٌ حيوي للأمة. مسألة العوامية، وكذا العقل النافذ في السلطة، والذي لا يرى المخاطر الكبرى لإشاعة ثقافة الكراهية مع أحد شعوب دول الجوار الخليجي، ويراكم أسباب احتقان شعبي حاد، عندما "يلعب" في مسألة الحج. مقلقٌ هذا كله، كما الأنباء المتواترة عن عدم قدرة شركات سعودية كبرى على تسديد رواتب موظفيها، وكما ما توحي به الأخبار عن توجّه إلى خصخصة "أرامكو"، وطرح أسهمها للاكتتاب العام، وما صار معاينا ومنظورا عن أزمة مالية في المملكة، يقول بعضهم إنها ليست عَرَضية.. كل هذا، وغيره كثير وكثير، يبيح السؤال: ماذا يحدث في العربية السعودية؟