09 نوفمبر 2024
الغوطة آخر المعارك
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
يبدو من ضراوة الحملة الروسية على الغوطة أن موسكو عازمة على إسقاطها عسكرياً، وتمكين قوات النظام السوري من العودة إليها، بعد أكثر من أربعة أعوام من خروجها عن سلطته في سياق الاحتجاجات الثورية التي بدأت في مدينة دمشق في 15 مارس/ آذار 2011. ولم تُخفِ روسيا أنها تعمل على استنساخ مخطط حلب في الغوطة بكل تفاصيله، ولذلك عطلت قرار مجلس الأمن 2401، وطرحت بديلاً عنه هدنةً يومية خمس ساعات، من أجل السماح للمدنيين بمغادرة المنطقة، وباتت على قناعةٍ بأن سياسة الأرض المحروقة والتجويع ومنع دخول مواد الإغاثة سوف تؤدي، في النهاية، إلى إجبار المدنيين، وغير المدنيين من الفصائل المسلحة، على مغادرة الغوطة.
المصير الذي ترسمه روسيا للفصائل العسكرية الموجودة في الغوطة هو المصير نفسه الذي حددته للفصائل التي كانت تسيطر على شرق حلب، وتحاول استنساخ السيناريو نفسه الذي ينتهي بالتهجير، وتقوم بتنفيذ العملية، مستخدمة المراوغة نفسها التي تميزت بها سياستها في الشأن السوري، والتي تعتمد على قدر كبير من التضليل وتغيير المواقف، من دون شعور بالحرج، سواء في مجلس الأمن الدولي، أو على صعيد آلية أستانة التي اعتبرت الغوطة منطقةً مشمولةً بعملية خفض التصعيد، وتسوق موسكو ذلك كله تحت غطاء عالٍ من النيران.
الوضع المأساوي الذي تعيشه الغوطة، وما ينتظرها من عملية تطهير طائفي، واضحان قبل سقوط حلب. ويعرف أصحاب الحل والربط في المنطقة أنهم سيواجهون اليوم الذي عليهم أن يختاروا فيه بين الموت والرحيل من ديارهم، مثلما رحل أهل حلب الذين تشردوا في ريف حلب وإدلب وتركيا. وقبل أن تغيب الشمس، كان الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، يتجول في قلعة حلب، ولا شك أنه ينتظر نهاية العملية الروسية ليقوم بجولة مماثلة في غوطة دمشق التي تشكل بالنسبة للسوريين آخر حاضنات الثورة السورية الأولى التي بقيت تقاوم، ولذلك سيكون لسقوطها وقع معنوي كبير.
ستكون الغوطة المعركة الأخيرة لاعتبارات كثيرة، يظل أهمها أن نجاح الروس في السيطرة عليها سوف يعني نهاية الوجود العسكري المحسوب على الثورة في منطقة ريف دمشق التي شكلت، بالنسبة للنظام، أهم عقبة في الطريق، وليس مصادفة أن منطقة ريف دمشق تتصدر عدد الشهداء خلال سبعة أعوام من المواجهة، ثم إن النظام لم يتمكن من استعادتها أو تركيعها، على الرغم من كل الوسائل التي استخدمها والدعم الإيراني الكبير، ومشاركة المليشيات الطائفية من حزب الله والعراق، وحتى أفغانستان، في القتال الدائر على أرضها.
على الرغم من ضراوة الحملة على الغوطة، هناك مسألة مهمة، وهي أن أهالي الغوطة لم يتجاوبوا مع الهدنة الروسية التي فتحت أمامهم طرق الخروج، ويرفضون تكرار خطأ شرق حلب. ومن هنا، ليس هناك أي مؤشر إلى الاستسلام، وهذا يحيل إلى أحد أسباب الثورة في ريف دمشق على النظام، وهو مواجهة مشاريع استيلاء ضباط ومتنفذين وأقارب عائلة الأسد على أراضي الأهالي، ومنهم ذو الهمّة شاليش ابن خالة الأسد الذي استولى على مساحات واسعة من أراضي الغوطة بالاحتيال، واستثمرها عقارياً. ويدرك أهل الغوطة أن خروجهم منها يعني أن لا عودة إليها. ولذلك تبدو المعركة مفتوحة ليس مع النظام فقط، وإنما مع إيران التي تعتبر مدينة دمشق ومحيطها من حصتها، ضمن عملية تقاسم النفوذ الجارية على الأرض السورية، وتسربت في أكثر من مرة معلومات عن نية إيران ربط ريف دمشق بجنوب لبنان، والامتداد حتى ريف حمص في القصير.
تقاتل الغوطة وحدها، ويدافع عنها أهلها، بغض النظر عن تسميات الفصائل العسكرية التي تحمل السلاح هناك، الأمر الذي يحاول الروس أن يستغلوه، لوصمها بالإرهاب، كونها ذات مسميات إسلامية، مثل جيش الإسلام وفيلق الرحمن.
المصير الذي ترسمه روسيا للفصائل العسكرية الموجودة في الغوطة هو المصير نفسه الذي حددته للفصائل التي كانت تسيطر على شرق حلب، وتحاول استنساخ السيناريو نفسه الذي ينتهي بالتهجير، وتقوم بتنفيذ العملية، مستخدمة المراوغة نفسها التي تميزت بها سياستها في الشأن السوري، والتي تعتمد على قدر كبير من التضليل وتغيير المواقف، من دون شعور بالحرج، سواء في مجلس الأمن الدولي، أو على صعيد آلية أستانة التي اعتبرت الغوطة منطقةً مشمولةً بعملية خفض التصعيد، وتسوق موسكو ذلك كله تحت غطاء عالٍ من النيران.
الوضع المأساوي الذي تعيشه الغوطة، وما ينتظرها من عملية تطهير طائفي، واضحان قبل سقوط حلب. ويعرف أصحاب الحل والربط في المنطقة أنهم سيواجهون اليوم الذي عليهم أن يختاروا فيه بين الموت والرحيل من ديارهم، مثلما رحل أهل حلب الذين تشردوا في ريف حلب وإدلب وتركيا. وقبل أن تغيب الشمس، كان الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، يتجول في قلعة حلب، ولا شك أنه ينتظر نهاية العملية الروسية ليقوم بجولة مماثلة في غوطة دمشق التي تشكل بالنسبة للسوريين آخر حاضنات الثورة السورية الأولى التي بقيت تقاوم، ولذلك سيكون لسقوطها وقع معنوي كبير.
ستكون الغوطة المعركة الأخيرة لاعتبارات كثيرة، يظل أهمها أن نجاح الروس في السيطرة عليها سوف يعني نهاية الوجود العسكري المحسوب على الثورة في منطقة ريف دمشق التي شكلت، بالنسبة للنظام، أهم عقبة في الطريق، وليس مصادفة أن منطقة ريف دمشق تتصدر عدد الشهداء خلال سبعة أعوام من المواجهة، ثم إن النظام لم يتمكن من استعادتها أو تركيعها، على الرغم من كل الوسائل التي استخدمها والدعم الإيراني الكبير، ومشاركة المليشيات الطائفية من حزب الله والعراق، وحتى أفغانستان، في القتال الدائر على أرضها.
على الرغم من ضراوة الحملة على الغوطة، هناك مسألة مهمة، وهي أن أهالي الغوطة لم يتجاوبوا مع الهدنة الروسية التي فتحت أمامهم طرق الخروج، ويرفضون تكرار خطأ شرق حلب. ومن هنا، ليس هناك أي مؤشر إلى الاستسلام، وهذا يحيل إلى أحد أسباب الثورة في ريف دمشق على النظام، وهو مواجهة مشاريع استيلاء ضباط ومتنفذين وأقارب عائلة الأسد على أراضي الأهالي، ومنهم ذو الهمّة شاليش ابن خالة الأسد الذي استولى على مساحات واسعة من أراضي الغوطة بالاحتيال، واستثمرها عقارياً. ويدرك أهل الغوطة أن خروجهم منها يعني أن لا عودة إليها. ولذلك تبدو المعركة مفتوحة ليس مع النظام فقط، وإنما مع إيران التي تعتبر مدينة دمشق ومحيطها من حصتها، ضمن عملية تقاسم النفوذ الجارية على الأرض السورية، وتسربت في أكثر من مرة معلومات عن نية إيران ربط ريف دمشق بجنوب لبنان، والامتداد حتى ريف حمص في القصير.
تقاتل الغوطة وحدها، ويدافع عنها أهلها، بغض النظر عن تسميات الفصائل العسكرية التي تحمل السلاح هناك، الأمر الذي يحاول الروس أن يستغلوه، لوصمها بالإرهاب، كونها ذات مسميات إسلامية، مثل جيش الإسلام وفيلق الرحمن.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024