الفلسطيني وحيدًا .. كما لم يحدث من قبل
في ردّات الفعل على ما جرى في النقب في القمّة التي ترأستها إسرائيل، ودعت إليها وزراء خارجية عرب التطبيع، تبحث عن بيانات نارية، أو حتى هادئة النبرة صادرة عما يُعرف بمحور الممانعة، فلا تجد، إذ لا حسّ ولا خبر، وكأن على رؤوسهم الطير.
فقط، على موقع قناة المنار اللبنانية، التابعة لحزب الله، تجد بيانًا ساخنًا في تنديده بما جرى، صدر عن جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، وعلى موقع قناة الميادين، ثمّة تصريحات من الخارجية الإيرانية.
في مثل هذه المواقف، كان صخب أسود الممانعة ونمور المقاومة يملأ الآفاق، فتنعقد المؤتمرات، وتتجهز معدّات البث المباشر لنقل كلمة زعيم المقاومة التي كانت تمتد ساعات في مناسبات أقل خطورة، للتعليق والشجب والإدانة لمسار التفريط والتصهين، وفضح المؤامرة على فلسطين والأمة.
لا كلمة من السيد حسن نصر الله، ولا بيان من حزبه، ولا صوت، ولو حتى همسًا من أسد الممانعة النائم في دمشق، ولا تصريح من خارجيته .. فقط صمت مطبق يلفّ الجميع، ليجد الفلسطيني المقاوم نفسه هذه المرّة وحيدًا، ومحاصرًا، كما لم يحدُث من قبل .. لم يعد أحد راغبًا أو مستطيعًا المزايدة على أحد، أو مهاجمته أو إعلان خذلانه فلسطين وشعبها وقدسها وأقصاها، وكأن النظام العربي كله قد توافق على الصمت والعجز والاستكانة والرضا بهذا المصير البائس.
الإنسان العربي يغلي، لكن المسامّ مسدودةٌ ومغلقة، ليبقى الغليان مدفونًا تحت الجلود، مخبوءًا في الصدور، لا يقوى على الخروج إلى الشارع، إلى الحد الذي تبدو معه تظاهرة مندّدة في المغرب الشقيق حدثًا فريدًا واستثنائيًا، بالنظر إلى هذه الحالة من التواطؤ الإعلامي على ما حدث في النقب، من إجراءات تسليم القيادة للاحتلال الصهيوني، في احتفاليةٍ صاخبةٍ على مقربةٍ من قبر الصهيوني المؤسس بن غوريون، وتواطؤ أشدّ على العمليات البطولية للمقاومين الفلسطينيين ضد المستعمرين الصهاينة.
تقرأ على موقع "الشروق" المصرية مثلًا، عبارة تقول "ويزعم الفلسطينيون أن هذه الأراضي (التي تحتلها إسرائيل) جزء من دولة فلسطينية مستقبلية عاصمتها القدس الشرقية"، وتقرأ أيضًا توصيفًا لهذه العمليات الفدائية البطولية على أنها "عمليات إرهابية".
صحيحٌ أن الصحيفة أزالت بعض هذه العبارات بعد ساعاتٍ طويلة من نشرها، وواردٌ أن تكون مثل هذه الكوارث ناتجة عن خطأ محرّر صغير ينشر أخبار الوكالات الأجنبية بطريقة القصّ واللصق، لكن المؤكّد أن الصحيفة لم تعتذر، ولم تكلف نفسها عناء التوضيح لقرّائها أن ما وقع كان سهوًا وخطأ غير مقصود يستوجب الاعتذار، للشعب الفلسطيني وللقارئ.
في حالاتٍ أقلّ فداحة من ذلك قبل سنواتٍ كانت زلازل نقابية تندلع، ومجالس تأديب ولجان تصويب تنعقد، للمحاسبة على أي خرقٍ لقرارات نقابة الصحافيين الخاصة بالتطبيع، لكن أحدًا لم يعد مهتمًا، فالسيد سامح شكري وزير الخارجية عاد منتشيًا، سعيدًا بحصاد النقب، فيما بدا وكأن مخرجات اللقاء اشتملت على قرارٍ إقليميٍّ بتعويم جنرال السلطة في مصر، عن طريق مزاد مفتوح تتطاير تتساقط معه حزم المساعدات والمنح والودائع بالمليارات من كل اتجاه، مليارات من قطر، ترد عليها مليارات من السعودية، فيما تواصل الإمارات إكمال استيلائها على الشركات والأصول المصرية.
كل هذه المكافآت والهدايا، ليست حبًا في مصر العربية، بل هي انتشالٌ وتعويمٌ للقاهرة الشرق الأوسطية، الضرورية واللازمة لكي تمضي قطارات الشرق الأوسط الجديد، إسرائيلي القيادة، وتتزوّد بالوقود في مصر، لتواصل اجتياحها الخرائط العربية، وهذا مفهومٌ ومنطقي من محور 30 يونيو (2013)، والذي لا يمكن أن يسمح بتعرّض ما زرعه في مصر للخطر.
تتسارع الأحداث بعد انفضاض القمة الإسرائيلية في النقب، فتوقع في القاهرة اتفاقية تبادل السلع التجارية بين مصر وإسرائيل، في احتفاليةٍ تنقل على الهواء مباشرة، فيما ينظر الفلسطيني حوله فيجد نفسه تحت الحصار الاقتصادي، العربي، في غزّة، وتحت التواطؤ السياسي والإعلامي، وهو يقاوم الاقتلاع في القدس ومدن الضفة الغربية، ويطالع بيانات العرب الرسمية، وخطاباتهم الإعلامية، تصف نضاله بالإرهاب، وتسمّي الشهداء منه بالقتلي، فيما لا يجد بعض الذين تغنّوا طويلًا في بطولات زعيم تنظيم ثورة مصر، محمود نور الدين، وسعد إدريس حلاوة، وسليمان خاطر، غضاضةً في اعتبار عقد قمة العار في النقب، وليس في القدس المحتلة، بطولة للدبلوماسية المصرية، وفارسها الهمام سامح شكري، صاحب سهرة العشاء الشهير في منزل بنيامين نتنياهو، في القدس المحتلة، فوق أنقاض بيت فلسطيني شهيد، أو مبعد قسرًا إلى المنافي.
في هذا الوضع البائس، من المهم أن يدرك المقاوم الفلسطيني أن أشقاءه الحقيقيين هم الحجر والبندقية والحكاية، وما دون ذلك هم والعدم سواء.