الفيروس و"نوبل" للطب .. والعرب
تذكُر منظمة الصحة العالمية، في موقعها الإلكتروني، أنه لا وجود حتى الآن للقاحٍ ناجعٍ ضد التهاب الكبد سي (أو C)، غير أن البحوث تتواصل في هذا المجال. وهذه لجنة نوبل في معهد كارولينسكا في استوكهولم أعلنت، أمس الإثنين، منحها جائزة نوبل في الطب للعام 2020 لثلاثة علماء، لجهودهم في التعرّف إلى الفيروس المسبّب لهذا المرض، المُصاب بالمستوى المزمن منه 71 مليون شخص في العالم، بحسب المنظمة. وعلى ما قالت اللجنة، فإن اكتشافات البريطاني، مايكل هيوتون، والأميركيين، هارفي ألتر وتشارلز رايس، ساعدت في إجراء فحوص دمٍ، وفي الوصول إلى أدويةٍ جديدةٍ، ساعدا في إنقاذ حياة ملايين من المُصابين بالمرض المُعدي، والذي تسبب بوفاة 399 ألف شخص في العام 2016. .. والمؤدّى من هذا الإيجاز أن كشوفات العلماء الثلاثة الذين يتقاسمون الجائزة العتيدة (1,1 مليون دولار) واحدةٌ من مراحل سابقة، وربما أخرى لاحقة، في مسار البحث عن لقاحٍ يتعافى به المصابون بالمرض الذي يؤاخي أمراض التهاب الكبد A وB وD، عافانا الله وشافانا. وعلى ما تفيد مطالعاتٌ مختصة، فإن حضوره الأكثر هو في شرق المتوسط (ليست منازعات الغاز والنفط وحدها فيه إذن!)، وفي أوروبا، وإن مصر تصدّرت، قبل خمسة أعوام، الإصابات به في العالم. وعلى ما يذكر المختصون، قد يقيم هذا الفيروس في بدن المُصاب به عشرين عاماً، ما يسوّغ نعتَه بأنه "قاتل صامت".
إنه فيروس آخر، إذن، اختصّت به جائزة نوبل للطب (أو لعلم وظائف الأعضاء في تسميةٍ لها منسية)، غير كوفيد 19. فيروس لم يصل العلماء إلى لقاحٍ يُنهيه، فيما جهودٌ تنشط منذ شهور، في غير بلد، من أجل القضاء على الفيروس التاجي، الجديد، (كم اسماً بالضبط لكورونا؟)، الذي أحدثت جائحتُه إيقاعاً آخر لأنشطة البشر في أرباع الأرض. هل في الوُسع أن يخمّن من يشاء أن يخمّن أن موسم جوائز نوبل في العام المقبل (2021) سيُفتَتح بتكريم علماء (أميركيين؟) بجائزة الطب لاكتشافهم اللقاح المنتظر؟ لا يطرح هذا السؤال نفسَه، وإنما تطرُحه شواغلنا المستغرقة بالذي فعله كوفيد 19 بنا، وما زال يفعله، ولم يكتفِ بتمويت أزيد من مليون شخص، بل إنه أيضاً أضرّ بأرزاق الناس وأسباب عيشهم. وهو يضرب الآن دونالد ترامب، فيشدّنا إلى شاشات التلفزات لنراقب هذا الرجل، ودرجات حرارته، وكيف أمضى سحابة هذا النهار وغبش ليلة أمس. ولكنها جائزة نوبل للطب، نهار أمس الإثنين، تنبّهنا، سيما نحن العاملين في الصحافة، وكذا المشتغلين بالشأن العام المتعدّد، إلى أن ثمّة أمراضاً فتّاكة أخرى تنشط بين ظهرانينا، وأن أهل العلم والطب والعقاقير يجهدون، ويشتغلون، ويكدّون، في إسهامهم لإسعاف البشرية منها. وفي البال أن أولى جوائز نوبل للطب أعطيت في العام 1901 لطبيبٍ ألماني، لعمله في تطوير لقاحٍ ضد الدفتيريا، ما قد يعني أن قضية اللقاحات والأمصال مركزيةٌ في سيرورة العلم.
ومن بين أفكارٍ عدة قد تمرُق في الخواطر، إذا ما استعرض واحدُنا ما أنجزه العلماء والأطباء والمخبريون الذين كرّمتهم جائزة نوبل بقلائدها، وكذا علماء الكيمياء والفيزياء، في غير شأن لنفع البشرية والإنسانية، أن إسهامنا، نحن العرب، في هذه الميادين غائبٌ إلى منزلة الفزع، باستثناء المصري أحمد زويل في الكيمياء، فكأننا مجرّد زائرين في هذه الأرض، على الآخرين أن يُسعفونا بما تأتيه قرائحهم ومختبراتهم بأسباب الشفاء من العلل، وأن يخترعوا الكهرباء ويصنعوا الطائرات ويطوروا الحواسيب .. إلخ، لنعرف كيف نقضي أوقاتنا على هذه الأرض التي فيها الكثير مما يستحق الحياة، من دون أن نتأهّل، في غضونها، لأن نمنحها ما تستحقّه الإنسانية من أسباب دفع الشقاء.
لا يعنينا ما أعطاه الذين أحرزوا "نوبل" في الطب أمس، بشأن التهاب الكبد سي، ولا الذين سيُعطونها في الكيمياء اليوم الثلاثاء، وفي الفيزياء غداً الأربعاء، أما من ستكون له في الآداب يوم الخميس، وكذا الذي سيُمنحها الجمعة في السلام، فنحن معنيون بهما، وأرشيفُنا في لعن الغرب الذي يبخل علينا بهما (باستثناء يتيمة نجيب محفوظ) غزير، أما أنه لا يكترث بنا في تلكم الحقول، فذلك حقٌّ له، لا نُؤاخذه فيه أبداً.