القدس في الصراع الانتخابي
احتلت إسرائيل القدس الشرقية في أوائل يونيو/ حزيران عام 1967، وقبل انتهاء ذلك الشهر، ضمها الكنيست (البرلمان) والحكومة لدولة الاحتلال، وتم بسط القانون الإسرائيلي على القدس المحتلة، في خطوة مخالفة للقانون الإنساني الدولي. لم تعترف أي دولة، بما فيها الولايات المتحدة، بهذا الضم أحادي الجانب، ولا في تغيير الوضع القانوني للمدينة المحتلة، إلا أن حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية تشهد محاولة من السلطة التنفيذية، يبدو أنها يائسة، لزج القدس المحتلة في الصراع الرئاسي الأميركي، وبأسلوب رخيص وبشع. قبل أيام فقط من انتهاء العملية الانتخابية (بدأت منذ أسابيع ضمن برنامج التصويت المسبق)، أجرى وزير خارجية الولايات المتحدة، مايك بومبيو، تغييرا على كيفية تسجيل بلد الولادة للأميركيين. وكانت الحكومة الأميركية قبل ذلك قد وجدت وسيلة للخروج من مأزق تحديد دولة الولادة بأن قرّرت تعبئة الفراغ تحت هذا المسمى بكلمة القدس.
احتجّ الإسرائيليون المولودون، سنوات، وقد وصل احتجاجهم القانوني خلال إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، إلى المحكمة العليا في قضية رفعها والد طفل أميركي إسرائيلي يهودي، أصرّ على تسمية دولة الولادة لابنه أنها إسرائيل، ولكن وزارة الخارجية الأميركية آنذاك، بإدارة جون كيري، رفضت أي تغيير على الوضع الحالي، والذي يحصر دولة الولادة بالقدس، وقد ناقش أن الكونغرس طالب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس بصفتها عاصمة إسرائيل. وأقرّت المحكمة الأميركية العليا، متسلحةً بالسوابق التاريخية، بأن قرار الاعتراف أو عدمه لأي دولة هو من اختصاص السلطة التنفيذية (الرئيس ووزراؤه). وأصدرت الخارجية الأميركية بيانا في 29 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) ينص على أنها "ستسمح فوراً للمواطنين الأميركان المولودين في القدس بأن يختاروا نشر مكان الولادة: إسرائيل. مواليد القدس سيكون لهم الحق باختيار القدس، أو إسرائيل، مكان الولادة على كل وثائقهم القنصلية". ولا تخفى هنا دلالة توقيت القرار ستة أيام قبل موعد الانتخابات الأميركية والوضع غير المريح للرئيس المرشح فيها، خصوصا في ولاية فلوريدا ذات النسبة العالية من المواطنين الأميركيين والصهاينة المسيحيين.
استخدام القدس جزءا من الديكور الانتخابي الأميركي أمر مخجل، ويعكس الضعف العربي والفلسطيني والاستهتار الأميركي بالقانون الدولي
الغريب أن بيان الخارجية الأميركية الذي أعلن السماح بتغيير مكان الولادة عاد وكرّر ما كان قد قاله ترامب إن الولايات المتحدة "تعترف بالقدس عاصمة إسرائيل ومقر حكومتها، ولكنها لا تأخذ موقفا من حدود سيادة إسرائيل في القدس". وهذا يعني أن أميركيين ولدوا في القدس الشرقية قبل الاحتلال الإسرائيلي أو بعده، ولكن مكان ولادتهم، حسب اعتراف الولايات المتحدة، ليس إسرائيل، ولكن عليهم اختيار مكان الولادة القدس أو إسرائيل. وما هو مزعج ومقزز في القرار أنه سيفتح الباب واسعا لإدخال التفرقة بين مواطنين أميركيين بسبب خلفياتهم الإثنية، فقبل هذا القرار كان مكان الولادة موحدا "Jerusalem" (القدس). أما الآن فهناك غالبا الأميركيون الإسرائيليون الذين يختارون مكان الولادة إسرائيل، في حين أن الأميركيين العرب يختارون القدس. ولكن المشكلة ستكون عندما يتم إبراز جواز سفر أميركي أمام شرطي أو جندي أو موظف جوازات، فإنّ من اختاروا مكان الولادة إسرائيل ستتم معاملتهم بطريقة مختلفة عمّن اختاروا مكان الولادة القدس، الأمر الذي سيوحي للمسؤول الإسرائيلي أنهم غير يهود.
أصدرت الخارجية الأميركية بيانا ينص على أنها "ستسمح فوراً للمواطنين الأميركان المولودين في القدس بأن يختاروا نشر مكان الولادة: إسرائيل .."
ما هو سيئ في الموضوع كله، كما في موضوع السماح للمؤسسات البحثية في الاستيطان بأن تستفيد من تمويل مشاريع مخصصة لدولة إسرائيل، أن هذه الهدية السياسية تأتي بغرض محاولة مساعدة ترامب في الانتخابات الرئاسية، أو لضمان بعض التغييرات في حال خسر الانتخابات، على الرغم من أنه يبقى رئيسا كامل الصلاحيات إلى غاية 21 يناير/ كانون الثاني، عندما يتم، كما هو الحال منذ مائتي عام، النقل السلمي للسلطة لمن سيفوز في الانتخابات العامة. استخدام القدس جزءا من الديكور الانتخابي الأميركي أمر مخجل، ويعكس الضعف العربي والفلسطيني والاستهتار الأميركي بالقانون الدولي وبمبدأ السلم والعدالة.