الكفاية برؤية هالة
متى نكتفي مما نريد ومما نحب؟ متى نشعر أننا وصلنا إلى قمة الكفاية؟ كيف نستطيع الشعور بهذه القمة، والاكتفاء بها، باعتبارها نهاية الرحلة والمحطّة التي ينبغي التوقف فيها، ولو قليلاً، للاستمتاع بما فيها، أو ربما البحث في مخابئها السرّية عن سعادةٍ تنتظرنا؟
رأيت مقطع فيديو صغيراً تعبّر فيه مدرّبة الحياة هالة كاظم عن رؤيتها مفهوم الكفاية كما تفهمه، وكما عرفته في الحياة بنماذج ومواقع ومواقف وحكايات وأشخاص. ورغم أن المقطع صغير جداً، ولم يتجاوز الدقيقة الواحدة، كما وصل إليّ، إلا أنه كان كافياً جداً لتشجيعي على التفكير في هذا المفهوم، باعتباره أسلوب حياةٍ كنت أمارسه من دون أن أحدّد ملامحه، كما أوضحته الصديقة الرائعة هالة كاظم.
ولهالة، بالإضافة إلى ابتسامتها الساحرة الحنون التي تهوّن كل صعب، وتسهل كل معقد، قدرة رهيبة على تبسيط المفاهيم الحياتية، وتقديمها للناس بأسلوب السهل الممتنع. وربما لهذا اشتهرت بهذا النوع من المقاطع والدروس التي تقدّم فيها خلاصات تجاربها في الحياة، بعيداً عن التعقيد الذي يلجأ إليه كثيرون من مدرّبي الحياة، لأنهم يرون أن التعقيد يعني العمق، فتكون غالباً النتيجة عكسية، لأنه يؤدّي بهم غالباً إلى الافتعال والادّعاء. وهو ما جعل هذا النوع من المهام الإنسانية في الآونة الأخيرة نوعاً من الاستعراض اللغوي، القائم على التقليد وترديد العبارات الجوفاء والمصطلحات الكبيرة، من دون فهم حقيقي لها، بالإضافة إلى التعامل معها باعتبارها حصّالة للنقود السهلة التي يمكن استخلاصها من الباحثين عن حلول لا تكلفهم سوى ما يدفعونه مقابلها من أموال. وربما، لهذه الأسباب وغيرها، فقدت تلك المهام بريقها القديم، وجعلت كثيرين، وأنا منهم، ينفرون منها!
أما هالة كاظم فقد أخلصت لعملها الذي اعتبرته أسلوب حياة حقيقياً. ولذلك احتفظت بقدرتها على التأثير اللطيف في حياة الناس، ممن يتابعونها ويحبّون كلامها الجميل. ومما ساعدها على بلوغ تلك المكانة في قلوب محبّيها أنها غير متكلّفة، وأنها صادقة جداً، وهو ما تأكدت منه من خلال سماعي كلامها الغارق في عفويتها الجميلة في أثناء مشاركتي لها في بعض الغرف والمساحات على تطبيقي "كلوب هاوس" و"تويتر" في الآونة الأخيرة.
تقدّم هالة كاظم في كل نشاطاتها العملية العامة خلاصات العمر ومواجيز التجارب من دون ادّعاء لحكمة الحكماء، ولا فلسفة الفلاسفة، ولا تعقيدات المعقدين. أما مقطعها الأخير الذي رأيته قبل قليل، ووزّعته على من أعرف من حولي، وها أنذا أكتب عنه الآن، فكان جميلاً إلى الحد الذي جعلني أكرّر مشاهدته أكثر من مرة. ورغم أنني كنت أستطيع أن أطلب المقطع كاملاً منها، إلا أنني اكتفيت بتلك الثواني، ربما لأنني أردت تطبيقها عملياً على استيعابي مفهوم الكفاية كما قدّمته هالة فيه. لقد اكتفيت أنا بدوري بتلك الثواني، كي أفهم رؤيتها الجميلة لمفهوم الكفاية مفتاحاً لسعادة البشر، عندما يكتفون بما يحقّق لهم الرضا والسعادة الداخلية، من دون النظر إلى ما لدى الآخرين، ومن دون تضييع الجهود والأوقات في الركض وراء أشياء أخرى نريدها، ولا نعرف لماذا، ولسنا متأكدين أساساً أنها ستضيف لسعادتنا أي إضافة. بل إن ما نبذله في سبيل الحصول عليها غالباً يبدو ظلمنا لأنفسنا، ولإمكاناتنا المحدودة دائماً.
حكت هالة في ذلك المقطع عن صاحب مطعم تناولت فيه طعاماً لذيذاً، فقالت له على سبيل التعبير عن الامتنان والإشادة بعمله: لماذا لا تفتح فرعاً آخر للمطعم؟ فردّ عليها: لدي كفاية. فهذا المطعم يكفيني، أنا وزوجتي، بعد أن كبرت ابنتي. واستخلصت هالة من هذا الموقف الفرق ما بين الكم والكفاية، فما نحتاجه هو الكفاية وليس الكم.. حتى لا نصل إلى مرحلة الجشع، بعد أن نكتشف أننا لم نعد نشبع.. ويا لها من مرحلة خطيرة جداً!