المليونيرات الجدد
بشّر المذيع التلفزيوني، عمرو أديب، متابعيه بولادة طبقة جديدة من الأغنياء في مصر، سماها طبقة "المليونيرات الجدد". وأوضح أن الأغنياء التقليديين في مصر كانوا، حتى بضع سنوات مضت، معروفين بالاسم، ويعملون في أنشطة محدّدة تكاد تكون مقصورةً عليهم، منها صناعة الحديد والمقاولات وتجارة السلع الغذائية. أما المليونيرات الجدد فلم يتطرّق أديب إلى طبيعة أنشطتهم ولا إلى هوياتهم أو انتماءاتهم أيا كانت. لكنه حرص على توضيح غايته بتحذير المصريين من التطلّع إلى الغنى، وطالبهم بالحذر والتفكر قبل محاولة الاقتداء بأولئك الأغنياء الجدد. وحيث إن أديب، على نحوٍ ما، هو أحد الألسن المعروفة للدولة المصرية، فإن قدراً مما يروجه عبر برنامجه التليفزيوني ليس إلا رسائل رسمية يتولّى أديب تمريرها إلى المصريين. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك الدور الذي يلعبه أديب، ضمن أدوارٍ أخرى.
ليس جديداً حرص السلطة المصرية على إقناع المصريين بالفقر عبر وسائل متعدّدة وأدوات مختلفة، غير أن مضمون الرسالة، هذه المرّة، أوسع من ترويج الفقر، وهو ما يتبدّى من تأكيد أن أغنياء هذه المرحلة مختلفون عن أسلافهم التقليديين، وأن من يصبح غنياً لا بد أن لديه موهبة ما أو شيئاً مختلفاً وإلا "لأصبحنا جميعاً أغنياء" وفقاً لأديب. ما يعني أن على المصريين ألا يشغلوا أنفسهم بكيفية الاغتناء، ولا ينظروا إلى من اغتنى بالفعل، حتى وإن لم يكن واضحاً سبب غناه ولا منطق ارتقائه إلى هذه الطبقة المستحدثة من المليونيرات.
والواقع أن أديب محقٌّ جزئياً، فقد ظهرت بالفعل طرقٌ مستحدثة في مصر لتكوين الثروة. بعضها واضحٌ وعلني، ومردّه الأساسي الأنشطة الاقتصادية الجديدة القائمة على الفضاء الإلكتروني، خصوصاً وسائل التواصل، فصارت مواقع، مثل يوتيوب وفيسبوك وتيك توك وغيرها، مصدر دخل كبير ومتزايد للموهوبين والمهرة في إدارة تلك المواقع وتوظيفها في التكسّب. وقد انضم هؤلاء في الغنى الفاحش إلى عدد من الدخلاء على الساحة الفنية، خصوصا من يُطلق عليهم لقب "مُغني"، رغم قُبح أصواتهم وأشكالهم ووضاعة أصولهم وأخلاقهم. وقد ساهم أديب نفسُه في توسيع نطاق المتابعة الجماهيرية لهم ومن ثم زيادة ثرواتهم، بترويجهم واستضافتهم في برامجه. بالتالي، ليست لديه أي مشكلة في أن يسعى المصريون إلى مراكمة الثروة، إن استطاعوا، بهذه الطرق والأساليب الشعبوية.
إلى جانب هذه المصادر الواضحة للدخل والثراء، ظهرت طرقٌ أخرى، أسهمت بقوة في تشكيل طبقة المليونيرات الجديدة في مصر. وأهم هذه الطرق ممارسة أي نشاط اقتصادي، تجاري أو صناعي أو خدمي أو لوجستي، من الباطن. أي العمل تحت مظلة كيان كبير قادر على الدخول في أي مشروع بأي حجم، ويضمن النجاح تحقيق أرباح أياً كانت أحوال السوق. ولا تنطبق هذه الميزات الاستثنائية سوى على كيانٍ واحدٍ هو المؤسّسة العسكرية، وبصفة خاصة الهيئة الهندسية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية. ففي ظل الزحف التدريجي للمؤسّسة على مختلف الأنشطة المدنية الاقتصادية وغير الاقتصادية، أصبح العمل تحت مظلتها (من الباطن) مطمعاً لكل ساعٍ إلى اللحاق بركب المليونيرات.
ولكن للإنصاف، هناك أثرياء آخرون جدد اغتنوا في الأشهر القليلة الماضية، على خلفية الأزمة الاقتصادية الطاحنة. حيث استغلّ بعض التجار وأصحاب الأعمال التضخّم الذي ضرب جيوب المصريين وميزانياتهم، فرفعوا الأسعار بشكل غير مسبوق وغير مبرّر، وحققوا ثرواتٍ كبيرة في غياب تام للرقابة الحكومية.
بالطبع، لا يستطيع عمرو أديب الإعلان صراحة عن أبواب الثراء الجديدة تلك، لكن يمكنه بكل أريحية مطالبة المصريين بقوة وحماس ألا يحاولوا الانضمام إلى تلك الطبقة الجديدة من المليونيرات، لأن انكشاف طرق الأثرياء الجدد وأساليبهم سيفضح ما يجب إخفاؤه من أسماء وتفاهمات وصِلات وصفقات.