المنتخب السوري وحسابات التأهل
فتحتُ التلفزيون، خلال استراحة من الشغل، على إحدى محطات "بي إن سبورت"، وكانت تنقل مباراة بين هولندا والنرويج ضمن تصفيات كأس العالم في قطر 2022. سمعت المعلق يقول: إذا استمر التعادل هنا، فعلى تركيا أن تفوز على منتخب مونتنيغرو بنتيجة 14 إلى 1، وإذا خسرت النرويج تتأهل تركيا إذا فازت، بغض النظر عن عدد الأهداف.
يعتبر المنتخب التركي من أقوى المنتخبات العالمية، ولا تجوز بالطبع مقارنته مع المنتخب السوري، لكنّ كلام المعلق ذكرني بالأيام التي كنا نشجع فيها المنتخب السوري، معتبرين ذلك نوعاً من الممارسة الوطنية... كانت أوهامنا عن قوة فريقنا تبدأ مع انطلاق التصفيات الممهدة لبطولة عربية، أو آسيوية، أو عالمية... نتوهم أنّنا سنحقّق مركزاً متقدّماً، أو على الأقل نتأهل للدور نصف النهائي، لنُفَاجَأ، بعدما يجدّ الجد، بأنّ الفرق المشاركة كلها وضعت في حساباتها المبدئية الحصول على ثلاث نقاط من فوز مؤكّد على الفريق السوري... ومن الأشياء التي تفلق الإنسان غيظاً أنّ صديقنا الذي لا يهتم بكرة القدم، لكنّه يتابع المباريات مجاملةً لنا، كان يشفق علينا، ويقول، ساخراً، إنّ الفرق الأخرى، عندما تكون غاضبة، "تفشّ خلقها" بالفريق السوري. ويضيف أنّ هؤلاء الشبان الذين في عمر الورود، يقصد لاعبينا، لو بحثوا عن عملٍ آخر يعيلون منه ذويهم، أحسن من هذا الركض، والطحش، والترفيس أمام سكان الكرة الأرضية.
المهم؛ أنّ الحظ، في بعض الأحيان يبتسم لنا، فنحصل على نقطة واحدة من تعادل مع أحد المنتخبات، أو نحقق فوزاً على منتخبٍ يضارع منتخبنا في الهزال، ووقتها، تنطلق حساباتنا الخنفشارية التي تعلمناها من المرحوم عدنان بوظو والمعلقين الذين ساروا على نهجه أنّنا سنضع تأهلَ فريقنا في جيب بنطلوننا الخلفي عندما سيفوز في مباراته القادمة على هولندا بنتيجة خمسة صفر، شريطة أن يتزامن ذلك مع فوز اليمن على الأرجنتين تسعة صفر.
والحقيقة أنّ عدنان بوظو كان أولَ مَن أدخل "لغة السياسة" في سياق التعليق على مباريات كرة القدم... لا يذهبنّ تفكيرُكم إلى أنّ السياسة المقصودة هنا تعني التحدّث عن أحزاب السلطة والمعارضة، والتداول السلمي للسلطة، وكيفية التعاطي مع المجتمع الدولي، ومنظمات الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، أبداً، فقد كان يزعق، عندما يسجل فريقنا هدفاً: غوووووووول لسورية الأسد... ولعلّ من فضل الله علينا أنّ المشاهدين الأوروبيين لا يفهمون اللغة العربية، فلو كانوا يفهمونها لتبادرَ إلى أذهانهم أنّ اللاعب الذي سجل الغول بحركة الدبل كيك اسمه "أسد"، وسينظرون إلى الطرف الخلفي من كنزات اللاعبين ليعرفوا أيّهم أسد هذا الذي سجّل هذا الهدف البارع.
لم يكن التسييس مقتصراً على سخافات عدنان بوظو ومقلّديه، فنحن - المتفرجين- لم نكن أحسن حالاً، فالبعثيون، وبعضُ اليساريين السذّج من أمثال كاتب هذه الأسطر، كانوا يشجعون الفريق السوري، وينتظرون غول سورية بصبرٍ نافد، والناصريون يشجّعون فريق الجمهورية العربية المتحدة، عندما يلعب في مواجهة أيّ فريق عربي أو عالمي، وكان البعثيون يسألونهم، لأجل إحراجهم: لو لعبت سورية ضد مصر من تشجع حضرتك؟ وكان الشيوعيون الملتزمون على الطريقة البكداشية الأصيلة يشجعون منتخب الاتحاد السوفييتي، وتكون لتشجيعهم طقوس، فيجتمعون في منزل أحدهم، قبيل المباراة، ويجهزون سفرة عامرة بالمآكل والمشروبات، فإذا فاز "فريقُهم"، تتحوّل السهرة إلى احتفال بهيج. وذات يوم، وكان فريق الاتحاد السوفييتي يواجه فريقاً إمبريالياً، أظنّ أنّه الأميركي، وكانت أعصاب الرفاق مشدودة، وأعينهم تجري وراء الكرة على أرض الملعب، وفي لحظة من اللحظات الرهيبة، عبرت الكرة إلى داخل المرمى، وقام الأصدقاء ولم يقعدوا، وهم يصيحون ويهيّصون، وهجم المتحمّس منهم على الرفيق قاف، وراح يقرّعه لأنّه لم يشاركهم فرحتهم. والرفيق قاف، بكلّ برود أعصاب، قال له: حضراتكم مخطئون يا رفاق، فالهدف للفريق الأميركي.