النظام السوري .. نظرة إلى الداخل
يواجه اقتصاد النظام السوري في الوقت الحالي لحظاتٍ حرجة، فبعد أن جفّت موارده، ولم يعد من كان يموّله قادرا على الثبات، أضحى عاريا وحائرا فيما يفعله مع الملايين العشرة التي ما زال يسيطر عليها. مع توسّع الحراك ضده، قبل عقد، لجأ النظام إلى ممارسة الاقتصاد الحربي، بتقنين ما بقي من موادّه الأساسية، وما يستطيع أن يهرّبه عبر موانئه، وتوزيعه بشكل عشوائي على من بقي في سورية، ثم وكخطوة "حضارية"، انتقل إلى التوزيع عبر بطاقات إلكترونية تضبط الدور رقميا، وهو في الحقيقية أخفى الطوابير التي كانت تصطفّ بالمئات في الشوارع، إلى طوابير أطول، تنتظر في بيوتها شهورا، لتحصل على فتاتٍ من المواد الأساسية. ويبدو أنه اليوم قد وصل إلى نقطة حضيضٍ جديدة، محطّما أرقامه القياسية السابقة، فأوقف الدعم عن فئاتٍ عديدة، وفرض عليها، للحصول على ما تريده من الأسواق، دفع مبالغ مضاعفة، وهو تصرّف يوحي بأن مستودعات النظام قد أصبحت أكثر خواء، وأن داعمي النظام أصبحوا أكثر بخلا وتقتيرا، فلم يبق أمامه إلا مزيد من التشديد، وهو يعوّل في ضبط الشوارع على قوة رجال الأمن.
تحطّمت أحلام النظام، ومن خلفه روسيا، في إعادة الإعمار، وأصيبت جهودهما بإحباط شديد، فقد حاولت روسيا تسويق مشروعها لإعادة الإعمار فوجدت نفسَها في ورطةٍ كبيرة، ومواجهةٍ مفتوحةٍ ذات عواقب مدمرة مع أوروبا، ومن ضمنها دول كانت تحت جناحها السوفيتي أو الشيوعي السابق، وخلفهم جميعا الولايات المتحدة التي تحاول الزحف ببطء، لتصل إلى أقرب مسافة من روسيا. وعلى الرغم من محاولات عربية قليلة، وصل بعضها إلى فتح سفارته في سورية، وتعيين سفير أو إرسال وزير إلى هنا أو هناك، لكنها فشلت في تشكيل الرافعة المطلوبة لتعويم النظام، فغرق أكثر في دوامة حيرته، لعجزه عما على الدولة القيام به. ظهر التململ واضحا في مناطق لا تصنّف معارِضة، وتحرّكت، في الأيام الماضية، محافظة السويداء بأعداد كبيرة، معبّرة عن رفضها سياسة النظام الاقتصادية. وظهرت شعاراتٌ ذات سقفٍ مرتفع ومطالباتٌ غير اعتيادية. ووسط هذا الجحيم كله، تراجعت إيران إلى الخطوط الخلفية، فقواتها ومخازنها ومليشياتها في سورية تتعرّض للهجوم مرّة تلو المرّة، وهي عاجزة بشكل كامل عن الرد، وعينها على محادثاتها في جنيف، لإنجاح الاتفاق النووي، آملةً أن تخفّف عن نفسها الضغط بمجرّد التوقيع عليه. ولكن إنجاز هذا الاتفاق، في هذه اللحظة، ليس قريبا بشكل كاف، خصوصا أن إسرائيل قد باشرت خطة بديلة للمواجهة بالتقرّب من منطقة الخليج. وهذا كله يجعل حضور إيران على الساحة السورية أقل كثافةً من قبل، ووجودها الحالي لا يساهم بأي حل اقتصادي مرجو، بل تمارس مليشياتها وقواتها ضغطا على مرافق النظام ذاته، ما قد يؤدّي إلى تدهور أكبر، وإجراءات تقشّف أشد يدفع ثمنها المواطن السوري.
يبدو أن النظام قد وصل بالفعل إلى حائط يسدّ الطريق الوحيد الذي يسير فيه، وتحوّلت سورية إلى بلد خالٍ من الموارد، بخزينة فارغة، وجهاز حكومي شره وفاسد وغير جديرٍ بأي مسؤولية. وقد اقتصر الدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا على السياسة أو المساندة العسكرية، من دون أية مساهمة في الاقتصاد، وفقدان أي مساعدة من إيران، وهي غير قادرة إلا على إبقاء مليشياتها في العمق السوري، بالشعارات ذاتها التي ترفعها ضد الصهيونية. لم يبق أمام المواطن السوري المحاصر سوى التظاهر في الشارع، رغم بطش أجهزة النظام، أو الهروب إلى الخارج. وقد توجهت بالفعل جحافل من السوريين الذين نجحوا في تجاوز لوائح الدور الطويلة، ودفع مبالغ خيالية، بمقاييس الداخل، للحصول على جواز سفر، نحو أي دولة أملا بلحظةٍ أفضل، حين وصل بهم الحال في الداخل إلى نقطةٍ يصعب معها التعايش.