02 نوفمبر 2024
النفاق الفرنسي
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
قناة فرنسا الرسمية تذهب إلى دمشق، وتلتقي بشار الأسد. تقدم له منبراً ليطلّ على الجمهور الفرنسي، وهو المعزول والمنبوذ من أغلبية وسائل الإعلام الدولية، منذ حوالي عامين. لو أن القناة الفرنسية من تلك القنوات الهابطة لما شعر المرء بالأسف، وأخذه العتب على نزولها إلى درك لا يضع فيه عاقل نفسه بمحض إرادته. فالقناة التي يتابع نشرتها الإخبارية قرابة 6 ملايين مشاهد في فرنسا وحوالي 2 مليون في فضاء الفرانكوفونية من القنوات التي تحظى بصدقية وشعبية، تصل إلى تصنيفها بالقناة الأولى.
قدمت القناة منبراً لقاتل يخجل حتى هتلر من أفعاله، وتعاطت معه بطريقة باردة تعتمد على منطق السبق الصحافي، وأدارت حوارها مع المسؤول عن شقاء السوريين، وتهديم سورية على رؤوس أهلها، كأنها تستجوب شخصا لم يرتكب جرائم ضد الإنسانية. ولا يهم هنا مضمون الأسئلة التي طرحها الصحافي وصيغتها، بقدر قرار التطبيع مع مجرم محترف قاطعه الإعلام من منطلق احترام شرف المهنة، الذي يحرّم على الصحافة أن تمارس التدليس ودفن الرأس في الرمال.
ومن يتأمل المشهد الفرنسي اليوم، يسقط، جزئيا، عن القناة والصحافي وزر ارتكاب خطيئة أخلاقية بهذا الحجم، لأن ذهابها إلى الأسد الطاغية هو انعكاس لجو فرنسي منافق في أوساط سياسية، وإعلام يتسم بالاستهتار بآلام الشعب السوري وتضحياته، من أجل الحرية. وللحقيقة، مثلما في فرنسا جو تضامن فعلي مع الثورة السورية، فإن هناك فئة من الصحافيين والسياسيين تقف في الاتجاه المعاكس، فثمة أسماء لامعة ومعروفة بتأثيرها على الرأي وصحف عريقة مثل يومية لوفيغارو، سارت ضمن ركب شيطنة الثورة السورية، وبعض هؤلاء الأشخاص والمنابر خان ضميره الإنساني والمهني، بسبب الفساد المستشري الذي تغذيه الصفقات والمصالح.
في شهر فبراير/ شباط الماضي، زار وفد فرنسي مكون من برلمانيين وسياسيين الأسد في دمشق، ومن هؤلاء من هو في الحزب الاشتراكي الحاكم، ومنهم من هو في المعارضة اليمينية، وقد أثارت تلك الزيارة ردود فعل، واستدعت إدانات، لكنها لم ترق إلى حجم التجاهل الذي ميّز موقف الحكم والمعارضة، التي تعاطت مع موضوع الزيارة وكأنه لا يعنيها، على الرغم من أن فرنسا الرسمية تحاول، إلى اليوم، أن تميّز موقفها في ما يتعلق بالأسد، وصدرت عن الرئيس فرانسوا هولاند، ووزير خارجيته لوران فابيوس، تصريحات تتعارض مع المواقف الأميركية المتخاذلة تجاه الأسد، وقد أكد هولاند وفابيوس، في الآونة الأخيرة، أن باريس لا تعتبر الأسد جزءاً من الحل في سورية، ولا دور له في سورية المستقبل. ولكن هذا الموقف لم يترجم على أرض الواقع، وبقي نوعاً من ذر الرماد في العيون، أو الرياء الذي يخاطب قوى إقليمية عربية لا تزال تصر على رحيل الأسد. وبالتالي، فإن الكلام الفرنسي الرسمي هو نوع من غزل المصالح ليس أكثر، والذي يعود إلى الأيام الأولى للثورة السورية يجد أن وزارة الخارجية الفرنسية لعبت دورا ضد الثورة، عن طريق سفيرها في دمشق حينذاك أريك شوفالييه.
ليست هذه الانتهازية الفرنسية جديدة، بل حكمت الموقف الفرنسي منذ بداية الربيع العربي الذي لم تؤيده فرنسا، وهناك واقعة يعرفها العالم كله، وهي وقوف الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، إلى جانب ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي، حيث بقي إلى جانبه حتى آخر لحظة، وكانت فضيحة إرسال وزارة الداخلية الفرنسية مساعدة للشرطة التونسية لقمع المتظاهرين السلميين مثالا صارخا على التواطؤ الفرنسي مع الديكتاتورية، وقد تم اعتراض الشحنة في اليوم الذي هرب فيه بن علي مساء 14 يناير/ كانون الثاني.
قدمت القناة منبراً لقاتل يخجل حتى هتلر من أفعاله، وتعاطت معه بطريقة باردة تعتمد على منطق السبق الصحافي، وأدارت حوارها مع المسؤول عن شقاء السوريين، وتهديم سورية على رؤوس أهلها، كأنها تستجوب شخصا لم يرتكب جرائم ضد الإنسانية. ولا يهم هنا مضمون الأسئلة التي طرحها الصحافي وصيغتها، بقدر قرار التطبيع مع مجرم محترف قاطعه الإعلام من منطلق احترام شرف المهنة، الذي يحرّم على الصحافة أن تمارس التدليس ودفن الرأس في الرمال.
ومن يتأمل المشهد الفرنسي اليوم، يسقط، جزئيا، عن القناة والصحافي وزر ارتكاب خطيئة أخلاقية بهذا الحجم، لأن ذهابها إلى الأسد الطاغية هو انعكاس لجو فرنسي منافق في أوساط سياسية، وإعلام يتسم بالاستهتار بآلام الشعب السوري وتضحياته، من أجل الحرية. وللحقيقة، مثلما في فرنسا جو تضامن فعلي مع الثورة السورية، فإن هناك فئة من الصحافيين والسياسيين تقف في الاتجاه المعاكس، فثمة أسماء لامعة ومعروفة بتأثيرها على الرأي وصحف عريقة مثل يومية لوفيغارو، سارت ضمن ركب شيطنة الثورة السورية، وبعض هؤلاء الأشخاص والمنابر خان ضميره الإنساني والمهني، بسبب الفساد المستشري الذي تغذيه الصفقات والمصالح.
في شهر فبراير/ شباط الماضي، زار وفد فرنسي مكون من برلمانيين وسياسيين الأسد في دمشق، ومن هؤلاء من هو في الحزب الاشتراكي الحاكم، ومنهم من هو في المعارضة اليمينية، وقد أثارت تلك الزيارة ردود فعل، واستدعت إدانات، لكنها لم ترق إلى حجم التجاهل الذي ميّز موقف الحكم والمعارضة، التي تعاطت مع موضوع الزيارة وكأنه لا يعنيها، على الرغم من أن فرنسا الرسمية تحاول، إلى اليوم، أن تميّز موقفها في ما يتعلق بالأسد، وصدرت عن الرئيس فرانسوا هولاند، ووزير خارجيته لوران فابيوس، تصريحات تتعارض مع المواقف الأميركية المتخاذلة تجاه الأسد، وقد أكد هولاند وفابيوس، في الآونة الأخيرة، أن باريس لا تعتبر الأسد جزءاً من الحل في سورية، ولا دور له في سورية المستقبل. ولكن هذا الموقف لم يترجم على أرض الواقع، وبقي نوعاً من ذر الرماد في العيون، أو الرياء الذي يخاطب قوى إقليمية عربية لا تزال تصر على رحيل الأسد. وبالتالي، فإن الكلام الفرنسي الرسمي هو نوع من غزل المصالح ليس أكثر، والذي يعود إلى الأيام الأولى للثورة السورية يجد أن وزارة الخارجية الفرنسية لعبت دورا ضد الثورة، عن طريق سفيرها في دمشق حينذاك أريك شوفالييه.
ليست هذه الانتهازية الفرنسية جديدة، بل حكمت الموقف الفرنسي منذ بداية الربيع العربي الذي لم تؤيده فرنسا، وهناك واقعة يعرفها العالم كله، وهي وقوف الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، إلى جانب ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي، حيث بقي إلى جانبه حتى آخر لحظة، وكانت فضيحة إرسال وزارة الداخلية الفرنسية مساعدة للشرطة التونسية لقمع المتظاهرين السلميين مثالا صارخا على التواطؤ الفرنسي مع الديكتاتورية، وقد تم اعتراض الشحنة في اليوم الذي هرب فيه بن علي مساء 14 يناير/ كانون الثاني.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024