الهروب في تونس إلى القاع

03 فبراير 2023
+ الخط -

كان من المنتظر أن يخرج الرئيس التونسي قيس سعيّد، للتعليق على نتائج الانتخابات التشريعية التي انتظمت نهاية الأسبوع الماضي، خصوصا بعدما تكرّر الفشل في الدور الثاني الذي تمظهر في نسب الإقبال الضعيفة جدا (11%)، وعزوف المواطنين عن عملية الاقتراع.

كان الدور الأول صفعة قاسية على وجه الرئيس الذي لطالما تفاخر على معارضيه بشعبيته الواسعة، وبأنه الممثل الوحيد للارادة الشعبية، كما كان صفعةً على وجه هيئة الانتخابات التي لم تتوان في تطويع كل الإجراءات لصالح مشروع الرئيس.

إلا أن هذا الإخفاق لم يمنع قيس سعيّد وأنصاره من التأكيد على أن هذه الانتخابات الموضوعة على مقاس السلطة لا يمكن تقييمها إلا بعد استيفاء دورتيها، واثقين من ارتفاع نسب الإقبال على الصناديق في الدور الثاني، زاعمين، في الآن ذاته، أن غياب المال السياسي جعل حوالي 90% من الشعب التونسي يتغيّب عن أداء واجبه، وهو ما وصفه عميد المحامين السابق والمترشّح الحالي لمجلس النواب، إبراهيم بودربالة، باللاوطنية، إلا أن رياح الدور الثاني من الانتخابات لم تأت بما تشتهيه سفن الرئيس المبحرة في أمواج العجز السياسي والاقتصادي المتتالي. الأمر الذي جعله يفسر هذا الفشل المتكرّر بانعدام ثقة التونسيين في البرلمان، أي النظام البرلماني، في محاولة منه لشرعنة ما قام به من انقلاب على هذا النظام واستحواذه على كل السلطات.

لا تعدو هذه المحاولات للقفز على الواقع السياسي المتأزم في البلاد أن تكون إلا شبيهة برياضة القفز بالزانة أو الهروب إلى القاع، حيث تبحث منظومة 25 يوليو، عقب كل عثرة، عن شمّاعة تخفي خلفها عجزها عن إدارة شؤون البلاد، وحتى إدارة شؤون انقلابها المرتبك الذي سرعان ما أصبح معزولا ومرفوضا من مجمل الطيف الحزبي والمدني والشعبي.

كل من اقترب أو حاول التقرب من قيس سعيّد احترق بنار تفرّده وعناده السياسي

وقد تزامنت هذه الانتخابات مع تخفيض تصنيف تونس من وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية إلى درجة caa2، وهي المرحلة ما قبل الأخيرة، أي ما قبل الإعلان عن الإفلاس الرسمي للدولة وعجزها عن تسديد ديونها... عزلة وطنية سياسية للانقلاب ترافقها مخاطر اقتصادية وتحذيرات مالية دولية لم تؤثر في خيارات قيس سعيّد الفردية، ولم تجعله يفكر وهلة بضرورات التراجع واستبدال المغالبة بالحوار والتعاون، رغم تعدّد المبادرات الساعية إلى إنقاذه، فبعد أن عبر الاتحاد العام التونسي للشغل عن عزمه على طرح مبادرة وطنية للإنقاذ تحت سقف شعارات 25 يوليو، ومن دون تشريك للأحزاب، لم تتوان سلطات الانقلاب في التضييق على نشاط المنظمة التشغيلية الكبرى، ومغازلة غريمها النقابي اتحاد عمّال تونس.

لم يكن هذا السلوك غريبا عن هذه المنظومة، فكل من اقترب أو حاول التقرب من قيس سعيّد احترق بنار تفرّده وعناده السياسي، الذي يستوجب التصدّي له بوحدة وطنية جادّة وملتزمة بقضايا البلاد الحارقة، وليس بمبادرات صفراء إقصائية.

هناك فرص عديدة للمعارضة، رغم قتامة الوضع لتأسيس أرضية مشتركة مع تقاطعات سياسية عقلانية للتصدّي لمسار إنهاك الدولة وإفلاسها، طبعا إن تخلت عن وهم الزعامتية والطمع السريع في مرحلة ما بعد الانقلاب التي يستغلّها رأس الدولة في تشتيت المشتّت وتجزيء المجزّأ وتمديد أنفاسه.