الهند والحذر الدبلوماسي بين أوكرانيا وروسيا ... قمّة مودي وزيلينسكي في هيروشيما
على هامش تلبية كل من الهند وأوكرانيا دعوة لحضور قمّة مجموعة السبع (أميركا، كندا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا)، من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (الرئيس الحالي للمجموعة)، والتي استضافتها هيروشيما (اليابان) يوم 21 الشهر الماضي (مايو/ أيار)، التقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو أول لقاء شخصي بينهما منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. وقد يكون الاجتماع مكسبا دبلوماسيا لأوكرانيا؛ بعد ما كانت المحادثات بين نيودلهي وكييف عبر المكالمات الهاتفية، آخرها في ديسمبر/ كانون الأول 2022. وفي اللقاء، قال مودي "الحرب في أوكرانيا قضية ضخمة للعالم بأسره. لقد أثّرت على العالم بعدة طرق". وتابع "إنها بالنسبة لي قضية إنسانية وقيم إنسانية.. أؤكد لك أن الهند، وأنا شخصياً، سأفعل بالتأكيد كل ما في وسعنا لحلّ هذا الوضع". ودعا زيلينسكي الهند إلى "الانضمام إلى صيغة السلام الأوكرانية"، وهي الصيغة التي كان زيلينسكي قد قدّمها في خطابه في قمّة مجموعة العشرين (15- 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022) في بالي (إندونيسيا)، أي بالتزامن، مع إعلان تولي الهند الرئاسة الدوريّة للمجموعة. كان للهند حينها دور مهم في "توافق الآراء" بشأن البيان الختامي لمؤتمر قمّة المجموعة حول إدانة روسيا في حربها مع أوكرانيا أم لا. وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، في مؤتمر صحافي يوم 18 من الشهر نفسه: "لعبت الهند دوراً أساسياً في التفاوض بشأن إعلان القمّة". وتضمن بيان القمّة "أثرت الحرب في أوكرانيا بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي. كان هناك نقاش حول هذه القضية، كرّرنا مواقفنا الوطنية أعرب عنها في محافل أخرى، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدّة". وفي الشهر التالي، قال زيلينسكي إنه أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ويتمنى رئاسة ناجحة لمجموعة العشرين، وكتب على تويتر. "أعلنت على هذا المنبر معادلة السلام، والآن أعوّل على مشاركة الهند في تنفيذها".
هل ستستجيب نيودلهي لدعوات كييف إلى المشاركة في تنفيذ خطة "صيغة السلام"؟ وكيف ستحتفظ باستقلالية استراتيجية النهج الدبلوماسي لعدم الانحياز عبر التعامل مع أجندة خطة "صيغة السلام الأوكرانية" أو لعب دور الوسيط "لإنهاء الحرب"؟
قد تشكّل القمة الهندية الأوكرانية، خطوة جديدة في محاولات إنهاء الحرب بين موسكو وكييف؛ عبر تولي نيودلهي دور الوسيط، وهو خيار مرجح؛ فللهند علاقاتٌ وثيقةٌ مع روسيا، ولديها علاقات جيدة وممتازة مع أوكرانيا والغرب. كما التزمت الهند في السير بخطى الحذر الدبلوماسي في سياستها الخارجية تجاه الحرب منذ بدايتها، ما جعلها في "حالة توافق متوازن" إزاء قضايا الحرب. ولكن الحذر الدبلوماسي الهندي قد تكون له دلالات سياسية واستراتيجية أخرى، قد تطرح تساؤلاتٍ عديدةً عبر تناول قضايا خطة "صيغة السلام الأوكرانية"؛ حيث تعدّدت أشكال عدم الانحياز في السياسة الخارجية الهندية تجاه قضايا الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
تبنّت أميركا واليابان وأستراليا موقف "إدانة" صريحا تجاه السياسات الروسية في أوكرانيا، أما الهند فاتخذت موقفا "محايدا" وعدم إدانة ضد روسيا
عدم الانحياز سمة بارزة في السياسة الخارجية الهندية، قائمة على دبلوماسية استراتيجية الاستقلالية والسيادة لدى الهند؛ عبر اتّباع "سياسة التوافق" وفقاً لمصالحها ومبادئها، من خلال إدارة قضاياها في السياسة الدولية وفي علاقتها الدولية في النظام الدولي. وكما عرفتها رئيسة الوزراء السابقة، أنديرا غاندي في مقابلة مع محَمّد حَسنين هيكل في بداية السبعينيات، بعد توقيع الهند اتفاقية التعاون مع الاتحاد السوفييتي، (نشر هيكل المقابلة في كتابه "أحاديث في آسيا")، "عدم الانحياز ليس أن تكون غير متحيّز لهذا الطرف الدولي أو ذلك الطرف الدولي الآخر. إنما عدم الانحياز أن تأخذ في كل قضية عالمية رأيّاً يتفق مع مبادئك. وهذه سياسةٌ لا تتغيّر".
ربما قد يعني ما سبق الاستقلالية والسيادة في صنع قرار السياسة الخارجية الهندية. وعليه، يمكن تقسيم مواقف عدم الانحياز إلى: موقف ليس مع أو ضد (حياد)، موقف مستند إلى مبادئ وقيم دولية (حياد أممي صريح)، موقف مستند إلى قيم إنسانية (مثالي)، موقف عدم الانضمام مع ترحيب (مستقل)، وموقف رفض الانضمام (مستقل صريح). مع الأخذ بالاعتبار مستوى التفاعل للسياسة الهندية على المستوى الثنائي (أحادي الجانب أو ثنائي الجانب) أو متعدّد الأطراف في كل قضيةٍ على حدة.
لنبدأ "بالحياد الأممي" لعدم الانحياز (ليس مع أو ضد)؛ امتنعت نيودلهي عن التصويت على القرارات الأممية في الأمم المتحدة، أهمها، قرار مجلس الأمن في 25 فبراير/ شباط، وقرار الجمعية العامة 2 مارس/ آذار، من العام الماضي، واللذان تبنّيا "إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، والانسحاب الفوري لقواتها". وفي منعطف سياق "الحياد الأممي"، اتّخذت الهند موقف عدم انحياز (حياد أممي صريح)؛ عبر تبنّي نيودلهي موقفاً دبلوماسياً بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة، فمثلاً، بعد أربعة أيام من لقاء مودي وزيلينسكي، اجتمع قادة تجمع كواد الرباعي (أميركا، الهند، اليابان، أستراليا) في 24 مايو/ أيار 2023، في سيدني (أستراليا)، أدلى البيان القيادي المشترك "إزاء الحرب الدائرة في أوكرانيا"، "نحن ندافع عن الالتزام بالقانون الدولي، والحلّ السلمي للنزاعات، واحترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك سلامة الأراضي وسيادة جميع الدول. ونعرب عن قلقنا العميق .. لعواقبها الإنسانية الفظيعة والمأساوية .. وسنواصل تقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا .. وإدراكاً منا أن عصرنا يجب ألا يكون حقبة حرب، فإننا نظل ملتزمين بالحوار والدبلوماسية. نحن نؤيد السلام الشامل والعادل والدائم بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة. في هذا السياق، نتّفق على أن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها أمر خطير وغير مسموح به".
ويُشار إلى أن "الرؤية المشتركة عبر التجمع الرباعي (كواد) تتمحور حول الحديث عن "الأزمة الإنسانية في أوكرانيا" وتعدّياتها، من دون اتخاذ موقف "إدانة" أو مناقشة "دور روسيا" في النزاع/ الحرب؛ نتيجة الاختلاف في الآراء والمواقف على مستوى الثنائي - أحادي الجانب، بين دول أعضاء التجمّع الرباعي، فقد تبنّت كل من أميركا واليابان وأستراليا موقف "إدانة" صريحا تجاه السياسات الروسية في أوكرانيا، أما الهند فاتخذت موقفا "محايدا" وعدم إدانة ضد روسيا. (منال علّان، الرؤية الدبلوماسية الاستراتيجية المشتركة في تجمّع كواد، العربي الجديد، 24/4/2023).
اكتفت نيودلهي بدعم مبادرة الحبوب والترحيب بها، من دون الانضمام إليها، معربة عن قلقها بشأن الأمن الغذائي العالمي
قد يفسّر سير خطى النهج الدبلوماسي للهند على مستوى متعدّد الأطراف أعلاه، عبر تبنّي موقف عدم الانحياز (حياد أممي وحياد أممي صريح)، النهج الدبلوماسي للهند على مستوى الثنائي - أحادي الجانب في علاقتها مع موسكو من جهة ومع كييف من جهة أخرى؛ والذي اتخذ عدة أشكال من عدم الانحياز تجاه "قضايا الحرب"، قد تناولت منها خطّة "صيغة السلام الأوكرانية"، والتي حدّدها زيلينسكي في عشر نقاط من "معادلة السلام":
أولاً: الإشعاع والسلامة النووية: في مكالمة هاتفية بين مودي وزيلينسكي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أكّد مودي "على الأهمية التي توليها الهند لسلامة المنشآت النووية وأمنها، بما في ذلك في أوكرانيا. وشدّد على أن تعريض هذه المنشآت للخطر يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الصحّة العامة والبيئة". وهو موقف عدم انحياز (مستقل أحادي)، يأتي في إطار علاقة الهند الثنائية - أحادي الجانب مع أوكرانيا.
ثانياً: الأمن الغذائي: أُطلقت مبادرة حبوب البحر الأسود، وقد تم التوصل إليها باتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، لفتح ممرّ إنساني بحري آمن في البحر في يوليو/ تموز 2022.
أوضحت وزارة الشؤون الخارجية الهندية من الشهر ذاته (يوليو/ تموز)، أن "الآليات الثنائية موجودة للهند لتقديم مساعدات الحبوب الغذائية إلى عدة دول في جنوب الكرة الأرضية". كما أدلى نائب الممثل الدائم (البعثة الدائمة للهند لدى الأمم المتحدة)، السفير آر. رافيندرا، في بيان مشترك نيابة عن الهند والسويد في النقاش الإنساني في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022، "لا تزال السويد والهند قلقتين بشكل خاص من تدهور الأمن الغذائي العالمي الذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا. تدعم الهند والسويد بالكامل مبادرة حبوب البحر الأسود، وترحب بتمديدها 120 يوماً، كما أُعلن في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني ... ". وتابع "صدّرت الهند أكثر من 1.8 مليون طن من القمح إلى البلدان المحتاجة، بما في ذلك أفغانستان وميانمار والسودان واليمن". وقد اكتفت نيودلهي بدعم المبادرة والترحيب بها، من دون الانضمام إليها، معربة عن قلقها بشأن الأمن الغذائي العالمي الذي تفاقم في أوكرانيا؛ وهو موقف عدم الانحياز (مستقل - أحادي)، أي موقف "عدم الانضمام".
دعت الهند إلى "احترام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ووحدة الأراضي والسيادة"، من دون ذكر أراضي أوكرانيا
ثالثاً: تتضمّن قضية "أمن الطاقة" وفق "معادلة السلام" الأوكرانية، "إدخال قيود الأسعار على موارد الطاقة الروسية"، والتي هي أيضاً تقع تضمن فرض العقوبات الغربية والدولية على موسكو. تبنّت الهند موقف "رفض الانضمام"، وهو موقف عدم الانحياز (مستقل صريح - أممي)، ومع روسيا، تبنّت الهند موقف عدم الانحياز (مستقل - أحادي الجانب). وفي إطار ذلك الموقف، حقّقت الهند مكاسب اقتصادية، وخصوصا في مجال النفط؛ إذ قدّمت الشركات النفط الروسية للهند خصماً بنسبة أكثر من 30%، كما أصبحت روسيا أكبر مصدر للخام الهندي في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
رابعاً: الأسرى: تبنّت الهند موقف عدم انحياز (حياد - ثنائي الجانب مع طرفي "الحرب" روسيا وأوكرانيا)، أي موقف عدم تعاط مع قضية الأسرى الأوكرانيين المحتجزين في روسيا.
خامساً: ميثاق الأمم المتحدة وسلامة أراضي أوكرانيا: دعت الهند إلى "احترام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ووحدة الأراضي والسيادة"، من دون ذكر أراضي أوكرانيا. وهنا جديرٌ التذكير إلى موقف الهند في مارس/ آذار 2014، الامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق "بالسلامة الإقليمية والداعم لوحدة أراضي أوكرانيا"، بعد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، وهو موقف عدم الانحياز (حياد أممي صريح/ وحياد أممي).
سادساً: حدّد الموقف الدبلوماسي إزاء القضية أعلاه الموقف الهندي ذاته حول موضوع "القوات الروسية والأعمال العدائية"؛ دعت نيودلهي إلى وقف "الأعمال العدائية"، من دون المطالبة بانسحاب "القوات الروسية"، وبالتالي، ربما قد يكون لذلك دلالات سياسية واستراتيجية، عبر وساطة الهند، قد تفترض خيار "حلّ" وقف الأعمال العدائية، أي وقف الحرب، من دون انسحاب روسيا من "الأراضي الأوكرانية" التي ضمّتها موسكو خلال الحرب، وإبقائها تحت سيادة روسيا.
في المحادثات الثنائية، تستخدم نيودلهي مصطلح وصف "الوضع"، ولهذا دلالاتٌ سياسيةٌ وغموضٌ دبلوماسيٌّ من حيث أين تجري الحرب
سابعاً: العدل: عبر "إنشاء محكمة خاصة بجريمة العدوان الروسي على أوكرانيا"، الهند لم تدن روسيا صراحةً، كما لم تدل بأن هناك حربا من روسيا على أوكرانيا، ولا تحدّد إن كان غزوا أو عدوانا من موسكو، بل تدلي بتعبير "الحرب الدائرة في أوكرانيا". وفي المحادثات الثنائية، تستخدم نيودلهي مصطلح وصف "الوضع"، ولهذا دلالات سياسية وغموض دبلوماسي من حيث أين تجري الحرب. والذي قد يفسّر أن الهند لا تعتبر أن هناك "جريمة العدوان الروسي على أوكرانيا" للمطالبة بالعدل. ربما قد يدعم هذا الاتجاه وجهة نظر روسيا "على أن أوكرانيا جزءٌ من أراضيها"، إلى جانب خيار "الحلّ" المشار إليه أعلاه.
ثامناً: الحماية الفورية للبيئة: في اللقاء في هيروشيما، تعهّد مودي "فعل كل ما في وسعه لحل هذا الوضع". ودعا زيلينسكي الهند إلى المساعدة في "إزالة الألغام"، والتي هي متطلب مهم لتوفير "الحماية الفورية للبيئة"، ثم لم تستجب الهند لإمكانية المساعدة في ذلك. وربما يمكن اعتباره موقف عدم انحياز (حياد - ثنائي الجانب مع طرفي "الحرب").
تاسعاً: منع التصعيد: والذي يخطو نحو المطالبة بعقد مؤتمر دولي "لترسيخ العناصر الرئيسية للبنية الأمنية لما بعد الحرب في الفضاء الأوروبي الأطلسي، بما في ذلك الضمانات لأوكرانيا"، والتي تطلب التوقيع على "اتفاقية كييف الأمنية، والتي نُشرت في سبتمبر/ أيلول 2022، تدعو الدول الغربية إلى توفير "موارد سياسية ومالية وعسكرية ودبلوماسية" لتعزيز قدرة كييف على الدفاع عن نفسها". وفي ذلك المنعطف، تبنّت الهند موقف عدم انحياز (حيادي - ثنائي الجانب مع طرفي "الحرب")، أي لم تتعاط مع موضع الأمن الأوكراني.
عاشراً: إنهاء الحرب: قد يشكّل النهج الدبلوماسي الهندي إزاء القضايا التسع أعلاه "حالة تواصل متكامل"، لتعامل مع "تأكيد انتهاء الحرب"؛ قد أقدمت الهند على مطالبة موسكو الخطو نحو "إنهاء الحرب"؛ خلال مقابلة متلفزة في سبتمبر/ أيلول 2022، جمعت الرئيس الروسي بوتين مع رئيس الوزراء الهندي مودي، أعرب الأخير عن مخاوفه بشأن الحرب في أوكرانيا، وحثّ بوتين على التفكير في التحرّك "على طريق السلام"، وقال مودي "الآن ليس وقت الحرب". ومع أوكرانيا، عبر المكالمات الهاتفية، كرّر مودي دعوته إلى "وقفٍ مبكّر للأعمال العدائية وضرورة متابعة طريق الحوار والدبلوماسية". ومؤكّداً "لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع، وأعرب عن استعداد الهند للمساهمة في "أي جهود سلام". كما كرّرت نيودلهي على مستوى متعدّد الأطراف، "إدراكاً منا أن عصرنا يجب ألا يكون حقبة حرب، فإننا نظل ملتزمين بالحوار والدبلوماسية".
احتمال مرجّح لمشاركة الهند في تنفيذ "صيغة السلام الأوكرانية"، عبر تولي دور الوسيط "لإنهاء الحرب"
يتضح مما سبق أن نيودلهي اتّخذت ثلاثة اتجاهات دبلوماسية إزاء خطة "صيغة السلام الأوكرانية": المشاركة، عدم الانضمام إلى المشاركة، رفض الانضمام إلى المشاركة. .. وقد حدّدت الهند طريقة "مشاركتها" في "صيغة السلام"، بتحديد طبيعة الموقف الدبلوماسي؛ إذ استجابت الهند للدعوات الأوكرانية، عبر تبنّي موقف عدم الانحياز (مثالي) من ناحية إنسانية، وهو الموقف ذاته الذي احتفظ به مودي في لقائه مع زيلينسكي الأخير، ومستخدماً لغة الأم، للحفاظ على دقة موقف النهج الدبلوماسي لعدم الانحياز وقوّته. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المساعدات الإنسانية الهندية إلى أوكرانيا، والتي تشمل الأدوية الأساسية والمعدّات الطبية والإغاثة، جاءت في منعطف مشاركة "تحديد الموقف" إزاء "صيغة السلام"؛ وليس قضيةً على حدة في "خطّة السلام".
ربما يفسّر موقف عدم انحياز (حياد - ثنائي الجانب مع طرفي "الحرب" روسيا وأوكرانيا)، أي موقف عدم تعاطي الهند مع قضايا (الأسرى، منع التصعيد والعدل)، النهج الدبلوماسي الهندي من حيث عدم الانضمام إلى المشاركة في تنفيذ "خطّة السلام الأوكرانية".
في حين قد يفسّر النهج الدبلوماسي الهندي إزاء موسكو، وهو موقف عدم الانحياز (حياد - أممي وأحادي الجانب) من حيث إدانة روسيا وانسحابها، توجّه الهند الدبلوماسي من حيث "رفض" الانضمام إلى المشاركة في تنفيذ "خطّة السلام الأوكرانية"؛ تبنّت الهند موقف عدم الانحياز (مستقل صريح - أممي/ أحادي الجانب)، من حيث رفض الانضمام إلى فرض العقوبات الدولية على موسكو، في قضية "أمن الطاقة".
يبقى هناك احتمال مرجّح لمشاركة الهند في تنفيذ "صيغة السلام الأوكرانية"، عبر تولي دور الوسيط "لإنهاء الحرب". قد تقدّم "خطة سلام" ذات رؤية دبلوماسية صريحة ومتوافقة (الهند حليف وثيق لروسيا وشريك جيد للغرب)، في حين سيتّخذ "طابع الوساطة" لدى الهند "موقفا دبلوماسيا صريحا"؛ للحفاظ على طبيعة "عدم الانحياز" في سياستها الخارجية إزاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ بدايتها. وقد يتطلب هذا من نيودلهي الإعراب عن استعدادها لأخذ زمام المبادرة، بأن تصبح طرف "وساطة" في ترتيب إنهاء الحرب، عبر توقيع الأطراف "وثيقة تؤكد انتهاء الحرب". لننتظر الزيارة المحتملة لمودي إلى أوكرانيا؛ ففي لقاء هيروشيما، دعاه إليها الرئيس زيلينسكي.