اليمن بين التقديرات الأممية ومشاريع أطراف الحرب
فرضت مسارات الحرب في اليمن وتعقيداتها تعدّد سلطات الأمر الواقع، بحيث استقرّت الخريطة العسكرية والسياسية على مناطق نفوذ محدّدة تشغلها قوى محلية مسلحة متصارعة، الأمر الذي أنتج مقارباتٍ دوليةً جديدة تفترض ضرورة تجاوز ثنائية الصراع بين سلطة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، والمتمرّدين الحوثيين، إلى الانفتاح على الأطراف المحلية الأخرى، لإيجاد مظلة سياسية أكثر شمولية ومرونة، بحيث تتجاوز إشكالية استمرار تعثر المفاوضات بين طرفي الصراع. ومن جهة أخرى، لاستباق حالة الفراغ السياسي التي قد تترتب على غياب الرئيس هادي، أو استمرار احتجازه في العاصمة السعودية لأجل غير مسمى، بحيث يتم التمهيد لإيجاد أرضية للتوافق السياسي في مرحلة ما بعد هادي، لانتشال اليمن من دورة جديدة محتملة للصراع بين القوى المتنافسة على وراثة سلطته. وتراهن هذه المقاربات على استمرار رفض جماعة الحوثي مبادرات وقف الحرب، ورغبة الإدارة الأميركية الحالية في التسريع لإيجاد حل للأزمة اليمنية، بحيث يتم البحث عن مظلة سياسية بديلة تدعمها الشرعية الدولية، في وقتٍ تدفع القوى المحلية إلى تأكيد مشروعيتها على الأرض، سواء تحت مظلة شرعية هادي أو خارجها، في انتظار ما ستفرضه المصالح الدولية بشأن صيغة الحل في اليمن.
تنطلق معظم المقاربات الدولية من ضرورة إعادة النظر في قرار مجلس الأمن 2216 الذي يسند شرعية هادي، مدخلاً إلى تحقيق السلام في اليمن
تنطلق معظم المقاربات الدولية من ضرورة إعادة النظر في قرار مجلس الأمن 2216 الذي يسند شرعية هادي، مدخلاً إلى تحقيق السلام في اليمن، فبحسب هذه المقاربات، لم يعد القرار الأممي ينسجم مع تطورات المشهد العسكري، إذ يغفل القوى المحلية التي صعدتها الحرب، والتي لا بد من إشراكها في الحل بموجب قرار أممي جديد، كما أن تمسّك القرار الأممي بشرعية هادي شرطاً للحل يشكّل عائقاً لوقف الحرب في الظرف الراهن، وذلك لتعدّد القوى المحلية المناوئة له، إذ إن ضعف هادي، واحتكامه إلى الدائرة الضيقة من القوى السياسية المستفيدة من سلطته، أسهم في تنامي أطر الشرعيات المحلية المتصارعة، بحيث لم تعد للرئيس هادي قوة فعلية على الأرض، فضلاً عن فساد مؤسسة السلطة الشرعية وعجزها عن إدارة المناطق المحرّرة، ومن ثم ترى هذه المقاربات أن استمرار هادي رأساً لمظلة الشرعية اليمنية أصبح سبباً في تعقيد الوضع في اليمن، الأمر الذي يستدعي اتفاقاً دولياً لفرض قرار بديل عن القرار الأممي 2216، إضافة إلى استمرار تضمين القرار الأممي لنجل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، العميد أحمد علي، طرفاً معرقلاً للعملية السياسية في اليمن، يكشف عن قصور القرار في إدراك المتغيرات العسكرية على الأرض، وذلك لأن العميد أحمد علي أصبح خارج دائرة الصراع المحلي، بما في ذلك وجود أطرافٍ محلية تتوجب إضافتها إلى لائحة العقوبات الدولية، كأطراف معرقلة للعملية السياسية في اليمن، ومع أن المآخذ عديدة على هذه المقاربات، كونها تحصر المشكلة اليمنية في شخص هادي، وتتجاهل الأطراف الأخرى المعرقلة للسلام، وفي مقدمتها جماعة الحوثي، إلا أنها تعكس حالة الانقسام الدولي حيال بقاء هادي رأساً للسلطة الشرعية في المرحلة المقبلة.
تتباين تموضعات الأطراف المحلية وحلفائهم الإقليميين من القرار الأممي، وذلك وفقاً للمكاسب التي تحصلت عليها من انضوائها تحت مظلة دعم شرعية هادي، أو تبعات القرار الأممي على مستقبلها السياسي؛ فعلى الصعيد الدولي، دفعت العربية السعودية، بوصفها طرفاً إقليمياً رئيساً في حرب اليمن، بتثبيت القرار الأممي كونه يشرعن تدخلها العسكري في اليمن، بما في ذلك تأكيد وصايتها السياسية على المسألة اليمنية، الأمر الذي مكّنها من تحويل تدخلها للدفاع عن سلطة هادي إلى مظلة سياسية لتنفيذ أجنداتها في اليمن. محلياً، شكل حزب التجمع اليمني للإصلاح الرافعة السياسية لإسناد شرعية هادي، وذلك بتوظيفها غطاء لفرض سلطته في مدينة تعز، بحيث استطاع الحزب إزاحة القوى المنافسة له، تحت ذريعة تمثيل شرعية هادي. وفي مناطق الجنوب، يخوض حزب الإصلاح معارك ضد القوى المناوئة له تحت هذه الذريعة، مقابل توفير الرئيس هادي شكلاً ما من الحماية من استعداء الإمارات "الإصلاح"، كما أن إسناده سلطة هادي يجعل منه وارثاً هذه الشرعية في المستقبل. وفيما اعتمد هادي على القرار الأممي ودعم السعودية، لاستمرار مشروعيته رئيساً يمنياً أكثر من حجم سلطته على الأرض، وكذلك على حليفه حزب الإصلاح، فإن الارتهان لحليفين، لا يمكن الثقة بهما، فرض على هادي أعباء كثيرة؛ فمن جهة، أدى ارتهانه للسعودية إلى خضوعه لسلطتها المطلقة، بما في ذلك تقديراتها السياسية لحل الأزمة في اليمن، بحيث قد تدفع الضغوط الدولية على السعودية لوقف الحرب في اليمن، للتضحية بحليفها هادي. ومن جهة ثانية، مثل استمرار مراهنة هادي على حزب الإصلاح لإسناد مشروعيته على الأرض، وتغاضيه عن تحول الحزب إلى دولة داخل الدولة في مدينة تعز، مقابل عجز هادي عن إصلاح اختلالات حكومته، يشكل خطراً حقيقياً على سلطته، ذلك أن ضمان حزب الإصلاح لتمثيله السياسي في أي تسويةٍ مقبلةٍ قد تجعله يضحي هو الآخر بهادي.
لا مستقبل لليمن الواقع تحت البند السابع سوى الفوضى، إذ إن شمول الأطراف بقرار أممي جديد يعني الشرعنة للقوة المسلحة، وللقوى المحلية بأجنداتها
خارج مظلة القرار الأممي الذي يسند شرعية هادي، حكمت مضامين القرار تموضعات حزب المؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق صالح، بحيث ألحقت به خسائر سياسية عديدة، إذ إن تأكيد القرار على شرعية الرئيس هادي، التي لا يعترف بها مؤتمر صالح، قيد نشاط الحزب السياسي، كما أن تحديد القرار الأممي استئناف العملية السياسية على طرفين يمثل استبعاداً لـ "مؤتمر صالح" من مفاوضات الحل النهائي، إضافة إلى أن شمول أحمد علي، أهم أبناء صالح، بالعقوبات الدولية مثّل تجريماً سياسياً للمؤتمر المناوئ للحوثيين، بحيث صنّفه قوة مليشياوية خارج مؤسسة الدولة، على الرغم من انخراط جناحه العسكري ممثلاً بقوات العميد طارق محمد عبد الله صالح، ابن أخي صالح، في معارك ضد مقاتلي جماعة الحوثي في الساحل الغربي، ومع مراهنة مؤتمر صالح على قوات طارق ودعم حليفه الإماراتي، لتأكيد مشروعيته السياسية، والدفع باتجاه مظلةٍ أمميةٍ جديدةٍ، تتجاوز القرار الأممي الحالي، فإن مؤتمر صالح لا يمتلك، في الحقيقة، أوراق ضغط سياسية أو عسكرية تفرضه طرفاً مستقلاً في العملية السياسية، كالقوى المحلية الأخرى المناوئة لهادي التي نجحت في فرض مشروعيتها دولياً؛ فمن جهة، وعلى الرغم من سيطرة قوات طارق على بعض مناطق الساحل الغربي، وإقامة سلطةٍ محليةٍ مستقلة، فإنها تعمل في إطار السيطرة المباشرة لحليفها الإماراتي على المناطق الحيوية كباب المندب، بحيث لا تستطيع فرض شروطها بالقوة. ومن جهة ثانية، يشكل الشتات السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، وتوزّعه بين مختلف القوى المحلية، بما في ذلك جماعة الحوثي، وشرعية هادي، عاملاً آخر لفشل "المؤتمر" في فرض شروطه على المجتمع الدولي، إذ لا يستطيع ادّعاء تمثيل "المؤتمر" بوصفه قوة سياسية، على الرغم من تأسيس طارق المجلس السياسي للمقاومة الوطنية إطاراً بديلاً، إلا أنه لا يشكل، في الوقت الراهن، قوة حقيقية، إضافة إلى عدم اعتراف قطاع واسع من المؤتمرين بسلطته. في المقابل، يبدو أن فرص المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، أفضل من مؤتمر صالح، المدعوم من الإمارات أيضاً، إذ إن بنود اتفاق اقتسام السلطة مع الشرعية، اتفاق الرياض، مثلت اعترافاً دولياً بالمجلس الانتقالي، قوة محلية مستقلة، بحيث ضمن المشاركة في المفاوضات النهائية، وإن ضمن وفد السلطة الشرعية، لكنه يمتلك أوراقاً عديدة لفرض شروطه السياسية في مفاوضات الحل النهائي. ومن جهة ثانية، ومع تأكيد القرار الأممي على شرعية هادي التي تتعارض مع أجندات المجلس الانتقالي الانفصالية، فإنه يستطيع انتزاع مكاسب سياسية، من خلال التلويح بالقوة العسكرية ضد قوات السلطة الشرعية في الجنوب. ومن جهة ثالثة، إعاقة عمل حكومة المناصفة في مدينة عدن، ورقة ضغط مهمة على القوى الدولية. وأخيراً توظيف القضية الجنوبية، كعادته، في الملف السياسي اليمني، وتأزيم الوضع السياسي والعسكري في مناطق الجنوب، الذي يشكل ثقلاً في الموازين الدولية.
بقاء القرار في صيغته الحالية يعني استمرار القوى المحلية المسلحة في خوض حروب المشروعية والتمثيل السياسي
في طريق الذهاب إلى مفاوضات سياسية لم يفصح عن أرضيتها، ولا سقفها السياسي، تختصم القوى المحلية وحلفاؤها الإقليميون على المظلة الدولية التي فرضت هادي الضعيف رئيساً شرعياً لليمن، وسواء ظل القرار الأممي على صيغته الأولية، أو تمت إعادة النظر في مضامينه، لتشمل جميع الأطراف في مفاوضات الحل النهائي، فإن كل الطرق تصب في صالح جماعة الحوثي، وكيل إيران في اليمن، إذ إن شمول الأطراف المسلحة بقرار أممي جديد يمثل اعترافاً دولياً بسلطتها، بحيث يمنح الجماعة شرعية الأمر الواقع، كما أن تعدّد مشاريع القوى المحلية المتنافسة، ومظلاتها السياسية، يرجح كفّة الميزان لصالح جماعة الحوثي، لواحدية سلطتها وأجنداتها، بما في ذلك تقاطع مصالحها مع هذه القوى. وفي حال بقاء القرار الأممي من دون تغيير، فإن جماعة الحوثي هي من يفرض شروطها السياسية على المجتمع الدولي. ومع أن من الصعب التكهن بالاتجاهات الدولية حيال القرار الأممي، ففي كل الحالات، لا مستقبل لليمن الواقع تحت البند السابع سوى الفوضى، إذ إن شمول الأطراف بقرار أممي جديد يعني الشرعنة للقوة المسلحة، وللقوى المحلية بأجنداتها، ومن ثم تعقيد المسألة اليمنية، فيما يعني بقاء القرار في صيغته الحالية استمرار القوى المحلية المسلحة في خوض حروب المشروعية والتمثيل السياسي، وبالطبع على حساب اليمنيين.