انتخابات جديدة في لبنان
تنتظم اليوم الأحد انتخابات نيابية جديدة في لبنان، لها عناوين مختلفة ومتضاربة، وهي تأتي بعد التحرّكات الشعبية في الشارع اللبناني الذي طالب بالتغيير الجذري. وقد تكون هذه الانتخابات مؤشّرا إلى مدى جدية هذا الشارع في المضي بمطلب التغيير، كما تأتي هذه الانتخابات بعد حدثٍ زلزالي في بيروت، انفجار المرفأ. وربما يكون التردّي الاقتصادي الذي أوصل لبنان إلى ما يشبه الإفلاس عنوانا مؤثرا آخر. ولكن الترشيحات للانتخابات لا تعكس القوة الكبيرة لإرادة التغيير، فمن بين 1043 مرشّحا هناك 88 فقط تقلّ أعمارهم عن 35 عاما، ما يعني إحجام كتلة شبابية مهمة عن التغيير. ورغم ارتفاع عدد المرشّحات عن الانتخابات السابقة، ما زال هناك ضعف في مشاركة المرأة التي شكلت عنوانا بارزا من عناوين الاعتراض والتظاهر، فقد قدّمت 155 سيدة أوراقا لترشيحهن بما نسبته حوالي 15% ممن تقدموا للتنافس. وتُظهر هذه النسب تراخيا في التغيير من المجتمع اللبناني تجاه استحقاقه السياسي الأهم والمفصلي، وهو الذي أظهر صلابة وقوة عندما أطلق شعارا ما زال صداه يتردّد، "كلّن يعني كلّن".
لا تستدعي الانتخابات النيابية في لبنان ملفات الفساد والركود والإفلاس والتراجع السياسي، بل تستدعي أيضا ملفات طائفية عاجلة، فكراسي المجلس النيابي مقسّمة إلى نصفين يحتلّ المسلمون نصفها والباقي المسيحيون، وهناك تقاسيم طائفية فرعية أخرى، حيث تحضر المِلل والنحل على اختلاف أنواعها. وضمن هذا السياق، تبدو الطائفة السنية في وضع قلق، بعد إعلان سعد الحريري مقاطعته الانتخابات، ودخول شقيقه بهاء ميدان السياسة، لا ليحل محله، وإنما ليقدّم عناوين سياسية مختلفة لطائفة فقدت وعاءها الحريري الكبير، وتقسّمت الآن بين بهاء وفؤاد السنيورة وأشرف ريفي. وقد يؤثر هذا الانقسام بشدّة على الصوت السنّي، خصوصا وأن العرف اللبناني أن يكون رئيس الوزراء سنيا. وضمن هذا الواقع، تبدو الطائفة الشيعية أكثر تماسكا على الأقل من الناحية الرمزية، فقطباها، حركة أمل وحزب الله، متناغمان ومتناسقان إلى أبعد حد تحت عباءة إيرانية لا ينكرانها، ويمارسان ضغطا ناعما على شارعهما بتوزيع الإعانات والأغذية، وأحيانا أخرى، بإرهاب المرشّحين، وقد يزيد نفوذهما في ظل الانحسار السني.
على الجانب المسيحي، لا يبدو التيار الوطني الحر في حالة جيدة، وقد حصلت كل التغيرات الكارثية في لبنان في ظل رئاسة ميشيل عون. وهناك اتهامات عديدة موجهة لصهره ووريثه، جبران باسيل، وقد يخسر كثيرين من أنصاره لصالح غريمه المباشر القوات اللبنانية، أو تجمع أبناء الجميّل. وقد يكون تقدم هذين المعادل السياسي لتراجع حليفهما السنّي تيار المستقبل. رغم ذلك، ما زال التحالف الحالي بين حزب الله والتيار الوطني الحر يمثل أكثرية، وبإمكانه تمرير رئيس وزراء حليف. أما المجلس النيابي القادم فعلى موعد مع استحقاقٍ أكثر أهمية، انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد خمسة أشهر.
يحتاج الرئيس الجديد إلى أغلبية نسبية للفوز بعد الجولة الأولى التي يجب أن يحقّق فيها أغلبية الثلثين. وعلى الرغم من ذلك، يحتاج إنجاح رئيس جديد ما هو أكثر من مجرّد نسبة بسيطة، والتجارب اللبنانية شاهدة على ذلك، فهناك توافق إقليمي ودولي، لا بد أن يحصل قبل أن يتربع الرئيس الجديد في بعبدا. وقد تكون عودة السفير السعودي إلى بيروت الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) دعما للتيار السني الذي افتقد زخما كبيرا بغياب سعد الحريري، ولكن المعادلة الحالية تشير إلى أغلبية بسيطة لتجمِّع حزب الله، ما يعني تعطيلا مؤكّدا لمنصب رئاسة الوزراء، وتعطيلا أكبر لمنصب الرئيس، في حال رغب هذا التجمّع بذلك، والفرصة الوحيدة لتجنب فراغ قد يطول أن يفي الشارع بالشعار الذي قطعه على نفسه أكثر من مرّة "كلّن يعني كلّن".