انقلاب 3 يوليو .. أسئلة للمستقبل
لماذا وافق ملايين المصريين على عزل الرئيس السابق محمد مرسي؟ لماذا امتلأت الميادين احتفالا بعزله في مشهدٍ يقترب من مشهد عزل حسني مبارك؟ هل كانت الجماهير واعيةً يوم عزل مبارك، وتحوّلت إلى شعب من العبيد والمغيبين بعد أقل من عامين؟ وهل يوجد انقلاب عسكري "واضح" يؤيده ويفرح به ملايين المواطنين؟ لماذا تحوّل أغلب أنصار الإخوان المسلمين وداعميهم إلى خصوم في أقل من عام؟ ولماذا تحوّل أغلب من وقفوا مع "الإخوان" في جولة الإعادة ضد أحمد شفيق إلى خصوم؟ لماذا تحوّل كل من دعم "الإخوان" وأيد ترشيحهم، ودعا إليه، وأصدر بيانات للإعلان عن موقفه، وتحمّل من أجل ذلك مزايدات الفريقين، فريق مبارك ورجاله وفريق المقاطعين، من رفقاء الثورة، الذين رأوا أن "الإخوان" والعسكر سواء، لماذا تحوّل "عاصرو الليمون" بعد أقل من عام إلى خصوم؟ كيف تحوّل هاشتاغ "جدع يا مرسي"، الذي أطلقه نشطاء التيار المدني، وشارك فيه آلاف من غير "الإخوان"، إلى هاشتاغ "ارحل يا مرسي"، الذي أطلقه النشطاء أنفسهم، وشارك فيه النشطاء أنفسهم في أقل من عام؟
لماذا شارك حزب النور السلفي، ثاني قوة إسلامية في مصر، ووصيف "الإخوان" في البرلمان، وحليفهم في انتخابات الرئاسة واستفتاء مارس/ آذار وغيرهما من المحطات والاستحقاقات.. لماذا شارك هذا "الحزب الإسلامي" الذي حظي بتأييد ملايين المصريين، وأصوات ملايين المصريين، وثقة ملايين المصريين، في انقلاب 3/7؟ لماذا شاركت مؤسسة الأزهر الشريف في مشهد انقلاب يوليو/ تموز، بما لديها من قيم إسلامية، ومكانة تاريخية، وتقاطعاتٍ فكرية مع جماعة الإخوان، واستعداد معلن للتعاون معهم، وعلاقة طيبةٍ بين رموز المؤسسة وشيوخها ورموز الجماعة، وبما يعرفه الجميع من نزاهة شيخ الأزهر ومواقفه ووعيه السياسي، لماذا رأى شيخ الأزهر في هذه الحالة أن عزل الدكتور مرسي أخفّ الضررين؟ لماذا شاركت كل مؤسسات الدولة التي حكمها "الإخوان" عاما في انقلاب يوليو، لماذا لم تنشق مؤسسة واحدة، لماذا لم تنشق كتيبة جيش واحدة، كما كان "الإخوان" يقولون لأنصارهم في ميدان رابعة العدوية، بعد الانقلاب بساعات قليلة، لماذا لم يعترض مسؤول واحد ذو ثقل؟ لماذا لم يتحرّك ملايين المصريين يوم الانقلاب لانتزاع مرسي من سجنه، وإعادته إلى قصره، على نحو ما حدث مع شافيز في فنزويلا؟ لماذا لم تتحرّك قوى إقليمية ودولية فاعلة لإحباط هذا الانقلاب؟ لماذا لم يظهر للإخوان المسلمين حلفاء حقيقيون وفاعلون، وهم أصحاب السلطة الشرعية، بوصفهم، والشعبية الطاغية، بوصفهم، والتاريخ الطويل في العمل السياسي، بوصفهم؟ لماذا مرّر المصريون جرائم بشعة مثل فض اعتصام ميدان رابعة وأخواته، ووافقوا على إراقة دماء المتظاهرين؟ لماذا تعقّب مصريون كثيرون، في شوارعهم وأحيائهم، العائدين من "اعتصام رابعة" بالشماتة والتشنيع والاعتداء بالضرب أحيانا؟ لماذا نسي مصريون كثيرون سابق فضل "الإخوان" في العملين، الدعوي والخيري، وتقديم الخدمات الطبية المخفضة والتبرّعات بالمال والكسوة والمواد التموينية ولحوم الأضاحي، وغيرها من جهود البذل والعطاء التي لا ينكرها سوى جاحد؟ كيف تغيّر المزاج الشعبي الذي ساند "الإخوان" في ست استحقاقات انتخابية، وتحول إلى المطالبة الخشنة بإزاحتهم؟ ولماذا اتفق على إزاحة "الإخوان" حلفاؤهم وخصومهم على السواء، وهل من المعقول أن الجميع يكره "الإخوان"، والجميع يحسد "الإخوان"، والجميع يحقد على "الإخوان"، والجميع ضد الإسلام، حتى الإسلاميون الآخرون، من الأحزاب والقوى والمؤسسات.. جميعهم كارهون حاقدون متآمرون خونة؟!
هذه الأسئلة مشروعة ومهمة، وتحتاج إلى إجابات واقعية، وواضحة، لأسباب كثيرة، أهمها: أن "الإخوان" باقون، وأن ثمّة فرصاً أخرى لعودتهم، وأنهم ما زالوا رقما مؤثرا، وأن دعوات إزاحتهم أو تنحيتهم عن المشهد أو عزلهم ما هي إلا تحليلاتٌ بالتمنّي، فيما واقع المعادلة السياسية في الإقليم كله يفرض وجود "الإخوان"، وأحيانا يتطلبه، فهم موجودون بأنفسهم حينا، وبحرص خصومهم على وجودهم أحيانا كثيرة، وبما أن تبعات وجودهم تطاول الجميع، فإن الاهتمام بإجابة عن هذه الأسئلة هي أيضا شأن الجميع .. لعلنا نفهم ونتغير، "مرّة في حياتنا".