باب الحارة وباب الهوى

02 يوليو 2015

من مسلسل باب الحارة

+ الخط -
لم أتابع سوى مشاهد من الجزء الأول من مسلسل باب الحارة، تبعاً لمنسوب زمن المائدة العائلية مع رياح المسلسل الميمون. وكان آخر مسلسل تابعته، في سالف الزمان والعصر والأوان، هو (صلاح الدين الأيوبي)، وذلك للمقارنة بين فن الدراما ووقائع التاريخ. لا أدعي الترفع الذي يبديه المثقف عادة، إذا كنت منهم، عن مشاهدة المسلسلات التي يصنعها الشهريار العربي لصرف شعبه عن جرائم السياسة وغنائمها، وليس لأنّ وقتي من ذهب، فهو أحياناً من فضة، وغالباً من حديد، والحديد معدن ثمين، بل إنّه كان يُهرَّب مثل الذهب على ظهور الحمير والبغال والبشر في "سوريا يا حبيبتي سرقت مني كرامتي". 

قضيت عقدين، أو ثلاثة، وأنا أرى الناس في طريقي، وهي تهدم بيوت العز والكرم، وتستخرج عظامها الحديد من بين عجين الإسمنت الجاف، وتسويّه على أيدي الحدادين، حتى تستعمله ثانية في البناء! مع أنّ متانته انخفضت بنسبة غير قليلة، ذلك أنّ الحديد كان شحيحاً في سورية، ودونه خرط القتاد ودفع الرشا، على عكس الدراما التلفزيونية التي كانت بالقناطير المقنطرة. الحديد "فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ"، الحديد ممنوع والمجد للخشب والرزق على الله. ليس لهذا وذاك انصرفتُ عن دراما التلفزيون، بل لأنّ متابعة المسلسل تحتاج إلى "معلاق" كبير، وصبر أيوب، وحياءً يشبه حياء جبهة "المقاومة والممانعة" من إسرائيل.
لكني أزعم، وأنا في كامل قواي التلفزيونية والصحفية، أنّي أستطيع أن أبدي رأياً في المسلسل الذي يعكس أعراض "المريض السوري". قرأت عشرات المقالات والآراء والتصريحات لمثقفين تقدميين واشتراكيين ويساريين ينكرون فيها قيم (باب الحارة)، ويزعمون أنّ سورية كانت تقدمية ونساؤها عرايا، ولم تكن رجعية مثل (باب الحارة) ونسائها المبرقعات في ذلك الزمن. أما كاتب هذه السطور المعوجة فيرى أنّ الناس أحبّت أخلاق أهل الحارة الشامية الرجعية وشهامتهم وصدق ناسهم، وبساطةً افتقدوها، ومن أجل هذا، طلب الكونغرس الأميركي، أو البيت الأبيض، نسخة من المسلسل الرجعي في مكتبته التقدمية.
كيف يمكن استيعاب هذه الخصلة: رجل يطلق زوجته بكلمة، فتبقى في الدار، وينفي نفسه في دكانته، ينام فيها ليلاً، ويعيش فيها نهاراً، حتى لا يفضح أهله. أظنّ أنّي قرأت أنّ الرئيس منشار الأسد أيضاً أفادنا بأنّه يحب مسلسل باب الحارة، في حوار أجري معه مداهنةً لشعبه، ليوحي لنا أنّ الرئيس التقدمي على دين مسلسلات شعبه الرجعية.
استخرجت الأجزاء الأخيرة حديداً من اسمنت الجزء الأول، وسووه، لدى الحدادين، ليصنعوا منه طوابق جديدة للمسلسل، لكنه كان بناءً ملفقاً، في الطوابق التالية. لم تعد الحارة هي نفسها. استند صنّاعه إلى معادلة العلامة الفيزيائي أدونيس، الثابت على كره حب شعبه للتحول نحو الديمقراطية. تمّ القضاء على الثابت، كما فعل النظام بسورية التي تتحول...
رأيت في الجزء الأخير من المسلسل صورة رجل بعمامة سوداء في باب الحارة، صدّرها أحد الأصدقاء على الفيسبوك، لكني أستطيع أن أقسم بأنها ليست تلفيقاً. وأظن أنّي أسفت على نهاية مسلسل "ضيعة ضايعة" الذي رأيت بعض حلقاته الطريفة في باصات السفر. كان يمكن إنتاج مئات الحلقات منه، حتى بعد موت بطله الثاني نضال سيجري، لكن صنّاعه رأوا أن يدسوا فيه السياسة دساً، ويدينوا المخلفات الكيماوية في الحلقة الأخيرة منه، وكانت الجريمة منسوبة إلى وزير الخارجية المنفي. هذا لا يعني أنّ المسلسلات السورية غير جريئة اجتماعياً أو سياسياً. فهي جريئة (لكن لوحدها حسب تعبير سعيد صالح)، وأعتقد أنّنا سنرى في هذا الجزء من باب الحارة، أو الذي بعده، وقد تحولت الحارة الشامية إلى ضيعة ضايعة تحت سقف الوطن، وربما يتحول الرفيق أبو شهاب إلى جودة وأسعد و.. صبايا.
دلالات
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر