بالروح.. بالدم.. نفديك أردوغان
يوم 13 أغسطس/ 2014، شنت الشاعرة السورية المعارضة، رشا عمران، في "العربي الجديد"، هجوماً ساحقاً ماحقاً على ناشطين ولاجئين، ومواطنين سوريين "غير مُحَدَّدين"، بحجة أنهم طبّلوا وزمروا لفوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية.
تجدر الإشارة، بداية، إلى أن السيدة رشا من أوائل المعارضين لنظام الأسد، وفي هجومها الغريب على السوريين المساكين اللاجئين في تركيا، لم تقصر في إعلان عدائها له. ولذلك، لا يستطيع أحدٌ اتهامها بأنها فعلت ذلك بدافع تأييد النظام، حاشاها.
الملمح الأساسي، أو الثيمة الأساسية لمقالتها، عدم التحديد. تقول، مثلاً، في البداية: يحار المرءُ في "سوريين" لاجئين في تركيا، أو متواصلين على شبكات التواصل الاجتماعي! ثم تسأل: ما هو السبب، إذن، وراء تعاطي "شريحة كبيرة من السوريين في تركيا" مع هذا الحدث، بأسلوبٍ يقترب من التهافت؟! ثم تبتدئ جملة جديدة: لا ريب في أن ثمة "شريحة سورية كبيرة" ترى في فوز أردوغان استمراراً لوضعها الآمن في تركيا!
وتورد جملة أخرى هذا نصها: على أن ثمة "شريحة" أخرى تعوض في احتفالاتها هذه عن خساراتها النفسية الفادحة في سورية، وتستبدل يأسها وخيبتها بحدثٍ، تتم استعارة رمزيته لاستعادة القليل من الأمل والحلم بدولة ديموقراطية!
وتستنتج في النهاية: لم يستطع، لا الدم ولا الألم السوري، إذن، أن يفطم "سوريين" كثيرين عن التعلق بفكرة الزعيم القائد لرعيته!
لستُ ضليعاً في الفلسفة وعلم النفس، لكنني أظن أن هذه الطريقة في التأليف تنتمي إلى "المنطق الصوري" الذي يرتكز على مقدماتٍ غير صحيحة، أو غير دقيقة، أو غير منسوبة لأحد، للوصول إلى نتائج تريد الكاتبة أن تصل إليها، وتتوسل إلى الوقائع الجارية على الأرض أن تُكَيِّفَ نفسها لتخدم هذا الغرض.
تفتتح السيدة رشا مقالتها بنتيجة، أو لنقل بمغالطةٍ بادية للعيان، إذ تكتب إن الحدث التركي "تركي داخلي، لن يُغير من مآلات الثورة السورية، ولن يترك أثراً كبيراً على الوضع السوري الراهن، ولن يعيد السوريين إلى بلدهم معززين مكرمين".
مما لا شك فيه أن أي حدث يجري اليوم في إيران، أو مصر، أو روسيا، أو الأردن، أو لبنان، أو تركيا، أو العراق، ليس حدثاً داخلياً، بل هو مُرَكَّب بين الدولة التي يجري فيها الحدث (+ سورية). ولئلا نخرج عن الموضوع، أقول إنه لا يوجد ساذج واحد يعتقد بأن فوز أردوغان سيعيد السوريين إلى بلادهم، معززين مكرمين! ولست هنا، بصدد الدفاع عنه، ولستُ أنتمي إلى نسقه الفكري، لكنني، في الوقت ذاته، سأقول: إن مصير مليون ومائتي ألف لاجئ سوري له علاقة مباشرة بفوز أردوغان وحزبه، ولو فاز أكمل الدين أوغلو، ونفذ تهديداته بطردهم، لأوقع قرارُه السيدَ الفقيهَ الإيراني وبشاراً الأسد في مأزق، هو: من أين سيأتيان ببراميل متفجرة كافية لقتل كل هؤلاء القوم؟ وإذا أراد الفقيه وبشار الأسد الاكتفاء بإعادة تهجيرهم، وأغلقت تركيا حدودها دونهم، أين يذهبون؟
تتخوف السيدة رشا، في مقالتها، من أن يؤدي تهافتُ (سوريين) في تأييدهم أردوغان إلى نتائج كارثية، لأن في تهافتهم، برأيها، (استفزازاً واضحاً ومباشراً لمعارضي أردوغان وهم كثر، حيث فاز بنسبة 52% من أصوات الناخبين، وهي نسبة طبيعية في أية انتخابات ديموقراطية، وليست كاسحة، كما حلا لـ "سوريين" تصويرها).
ما لا تعرفه السيدة رشا، بالتأكيد، لأنها تقيم في مصر العروبة، أنه لا توجد للاجئين السوريين مشكلة حقيقية مع الشعب التركي، ولا حتى مع معارضي أردوغان، ومدينة أنطاكية التي تقول رشا إننا (قد) نرى فيها صوراً من كل الأحجام لبشار الأسد ولحسن نصر الله، لا توجد فيها، حقيقةً، صور مرفوعة لهذين الإرهابيين. والسوريون الذين اختاروا أنطاكية للجوء، ويتجاوز عددهم ثلاثين ألفاً، لا يقيمون في "جيتوهات" منعزلة حول المدينة، بل يتعشقون في النسيج الاجتماعي للمدينة، ولعل الملفت للانتباه أن أقل كمية من المشكلات بين سوريين وأتراك، هي التي وقعت في أنطاكية (وهذه نقطة يجب تسجيلها لمصلحة شعب هذه المدينة بالطبع).
تقول السيدة رشا، في واحدة من مقدماتها الافتراضية: لعل الشريحة الأكثر إثارة للإشكالية، هي التي لا تزال تلعن التاريخ على انتهاء زمن الخلافة العثمانية، وترى، الآن، في فوضى الوضع السوري، وفي ارتفاع شأن أردوغان، سليل النزعة العثمانية، ما يداعب أحلامها بعودة الخلافة الأبدية، خصوصاً، الآن، مع حضور الخليفة الداعشي الذي تعتبره هذه الشريحة خارجاً عن الدين الحقيقي.
بوصفي منخرطاً في الثورة السورية، منذ بداياتها، إضافة إلى وجودي في تركيا لسنتين، لم أسمع، أو أقرأ، أو يُنقل إلي، أنه توجد شريحة (تلعن التاريخ على انتهاء زمن الخلافة العثمانية)، وتتمنى عودة هاتيك الحقبة! وما أعرفه، كذلك، وبتواضع، أن أردوغان (ليس سليل النزعة العثمانية)! وربما من المفيد أن أذكر أن حزب الـ MHP (مِلّيْتشي حَرَكِتْ بارتيسي)، المعارض لأردوغان (وللوجود السوري) يتبنى القومية الطورانية، ويُتَّهَمُ، كذلك، بتبنيه "العثمانية الجديدة"، ومن ثم فإن كلام رشا المشار إليه يدخل في خانة "الكلام الإنشائي".
إن فوز رئيس ما، بنسبة 52%، في دولة ديمقراطية لا يوجد فيها مجال لتزوير النتائج، على طريقة بيت الأسد وصدام حسين، هو، بالتأكيد، فوز كاسح، ويكفي أن تعلم رشا أن المرشح، أكمل الدين أوغلو، الذي حصل على 38% مدعوم من ائتلاف 14 حزباً تركياً معارضاً، منهم حزب الشعب الجمهوري.
توضيح أخير: إن السوريين الذين نزحوا إلى تركيا (وغيرها)، يا سيدة رشا، ليسوا هم أنفسهم الذين كانوا يخرجون في المسيرات المليونية محبة بالأب القائد الأسد، كما ذكرتِ، وأنت خيرُ من يعلم أن الملايين التي كانت تُجبر على الخروج في الشوارع لتأييد المجرم حافظ الأسد، (ومن بعده وريثه) من الخَطَل اعتبارُها مؤيدةً له بالفعل. وبالتالي، لا يحق لك، ولا لغيرك، الاستهزاء بهم الآن، بعد أن قدموا كل هذه التضحيات للتخلص من نظامٍ يجبرهم على تأييد المجرمين والقتلة.