بضاعة الخاسرين
الإشاعات المغرضة بضاعة الخاسرين يروجونها ظلماً وعدواناً ضد خصومهم. وموسم الانتخابات، أي انتخابات، هو موسمهم المفضل عادة، لترويجها، ولمكافحتها؛ تبيّنوا.
تعيش الكويت هذه الأيام موسماً انتخابياً ساخناً تحضيراً لانتخابات مجلس الأمة (البرلمان) بعد شهر تقريباً، وهي انتخابات مبكّرة بعد حلّ المجلس قبل أن يُتم سنواته الأربع المعتادة، نزولاً عند رغبة الشعب، كما جاء في خطاب القيادة السياسية الذي أعلن فيه حلّ المجلس والعودة إلى الشعب في انتخابات جديدة.
ورغم أنّ الكويتيين يملكون وعياً ديمقراطياً مشهوداً، وهم معتادون الأجواء الانتخابية منذ بداية ستينيات القرن الماضي، ما بين انتخابات برلمانية وأخرى بلدية وثالثة لأعضاء هيئات التدريس في الجامعة ورابعة طلابية في المدارس والكليات والجامعات، وغيرها كانتخابات روابط وجمعيات النفع العام والجمعيات الاستهلاكية، فإنّ الأمر لا يخلو مما ينغّص على الجميع هذه الممارسة الحرة، التي تتمنّاها شعوب عربية أخرى كثيرة. ومن أسوأ هذه المنغصّات انتشار الإشاعات المغرضة في موسم الانتخابات بشكل لا يسيء إلى المرشّحين المستهدفين وعوائلهم والمقربين منهم وتياراتهم السياسية وحسب، بل أيضاً إلى الناخبين المؤمنين بأفكار أولئك المرشّحين، ويمتد الضرر إلى العملية الانتخابية برمتها. فمثل هذا السلوك يساهم في عزوف كثيرين عن خوض المعترك الانتخابي نأياً بأنفسهم عما يدور فيه من سلوكياتٍ غير مريحة، وخوفاً من مستصغر الشرر أحياناً، على اعتبار أنّ كثيرين يؤمنون بأن لا دخان بلا نار، فيكون من الصعب أن يتثبت أحدٌ من صحة الإشاعة المغرضة، ما دامت قد انتشرت في أجواء يتسابق فيها المرشّحون للوصول إلى قاعة البرلمان بكل الوسائل الممكنة أحياناً.
حدث هذا في هذه الانتخابات وغيرها في الكويت وغيرها، ويحدث دائماً، وسيحدث مستقبلاً، ما دام هناك من يظن أنه لن يصل إلا بتشويه خصمه، ولن ينجح إلا بتلويث سمعة منافسه. لكن لحسن الحظ، إن مثل تلك الممارسات سرعان ما تنكشف، وبالتالي، تؤدّي إلى نتائج عكس المرجوّ منها لمن صنعها ولمن ساهم بترويجها بين الناس.
والأسوأ من الإشاعات المغرضة، استحضار تصريحاتٍ ومقولاتٍ لأحد المرشّحين، كان قد قالها في سياق معين، قبل أن يقرّر خوض غمار الانتخابات، وإخراجها من سياقها الذي قيلت فيه، ثم تقديمها للناس بتوجيه مسيء، بغرض الإضرار بالمرشّح وبسمعته أمام ناخبيه بأسهل الطرق وأرخص الوسائل. أما الأسوأ على الإطلاق من كلّ تلك الممارسات المتعلقة باختلاق الإشاعات أو استحضارها أو ترويجها على أي نحو كان، فهو القيام بذلك باسم الدين والمحافظة عليه، والوصاية على خيارات الناس الحرّة بحجة النصيحة! والغريب في هذه الممارسة تحديداً أنّها تخالف تعاليم الدين نفسه، حتى وهي تتوسّل به للمضي إلى الأمام، فهم على سبيل المثال يعرفون القصد الحقيقي وراء عبارة ما قالها المرشّح بتعبيرٍ قد لا يكون واضحاً أو ملتبساً، لكنّهم يختارون المعنى السيئ الذي هم متأكّدون أنّ المرشح لا يعنيه، ويصرّون عليه، وهم يصدّرونه إلى الناخبين، فقط للإضرار بذلك المرشّح، من دون أن تردعهم تعاليم الدين الذي يتكلمون باسمه للأسف.
يريدون المرشّح عبداً لأهوائهم ولعبة بين أيديهم، فيلجأون إلى أساليب الابتزاز البعيدة كل البعد عن روح الدين ومقاصده في الأخذ بإحسان الظن والتماس العذر. المهم بالنسبة إليهم أن ينتصروا في معاركهم الصغيرة، من دون الالتفات إلى المعركة الكبرى، أو لعلّهم يتجاهلونها عمداً.
الحمد لله أنّهم ليسوا بالكثرة التي تؤثر كثيراً بإيجابيات الممارسة الديمقراطية، وأنّهم غالباً ما ينكشفون، في النهاية، بسبب الوعي الشعبي المتنامي بمثل هذه الأساليب الرخيصة.