09 نوفمبر 2024
بعد المطالب الـ 13 "اللاغية"
لم تعد المطالب الـ 13 التي أشهرتها دول رباعي مقاطعة قطر وحصارها قائمة. لم تعد أساسا لأي شيء. صارت "لاغيةً"، وهذه مفردة الدول نفسها، في بيانها الذي اشتمل على تلك المطالب، أو الإملاءات الركيكة الصياغة على الأصح، ما دامت الدوحة رفضتها. وقد أوضحت دول الرباعي المذكور، الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، هذا الأمر، ثانيةَ، في البيان الذي أصدرته، في السادس من يوليو/ تموز الجاري، بغرض أن يُزاح شعورٌ بأن وزراء خارجية هذه الدول نسوا، في عصرية اليوم السابق، أن يشربوا حليب السباع المعتاد، فظهروا في المؤتمر الصحافي فيه، في القاهرة، على الهيئة الشاحبة التي رأينا، وإنْ حاول عبدالله بن زايد التسرية عمن كانوا يستمعون إليه وإلى زملائه، لمّا تمنّى على قطر إشاعة البسمة، وإنْ توسّل وزير خارجية البحرين سؤددا فائضا عن الحاجة، لمّا قال إن الإخوان المسلمين إرهابيون، ومن يتعاطفون معهم سيعدّون إرهابيين أيضا.
استهلك انشغالُنا، نحن الإعلاميين، بالمطالب الـ 13 نحو عشرة أيام، ثم أخبرنا من جهروا بها أنها صارت لاغية، ما يعني أنهم خدعونا. وللحق، صرفنا وقتا وفيرا في الاستغراب من التورّم الفادح لدى صنّاع القرار في الدول الأربع، وقد جعلهم يظنّون دولة قطر حارةً ملتحقة بهم، على الرعايا فيها تنفيذ أوامرهم. ولكن، أزاحت عنا الشعورَ بالخديعة أرطالُ المسخرة التي أظهرتها هيئاتٌ ومنتظماتٌ ومؤسساتٌ أمميةٌ وعالميةٌ، وإعلاميةٌ كبرى، في العالم، تجاه بعض تلك المطالب. وأيّا يكن، ما مضى قد مضى، وهذه قصة الـ 13 مطلبا انصرفت إلى الأرشيف، وفي البال أن إلحاحا كان على الحاكمين في أبوظبي والرياض (والمنامة والقاهرة؟) نحو أسبوعين، من أجل أن يعلنوا ماذا يريدون، ولماذا بالضبط قطعوا العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وأغلقوا المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنعوا العبور في أراضيها ومياهها الإقليمية، و... إلخ. وتجاوبا مع الإلحاح (الأميركي غالبا) صرنا أمام قصة طرد الحرس الثوري من الدوحة، وإغلاق "الجزيرة" و"العربي الجديد" وغيرهما، وتعويض ذوي ضحايا الإرهاب الذي تدعمه قطر، إلى غير ذلك مما ثرثرت فيه فضائيات الرباعي وجرائدهم كثيرا، من دون أن يُصاب أحد في الدوحة بأي جزع، ومن دون كثير اكتراثٍ باللتّ والعجن الممل في "تدوير" هذه المطالب، و"إعادة تدويرها".
علينا، بحسب المنامة والقاهرة والرياض وأبوظبي، أن ننسى قصة الـ 13 تلك (الرقم غير محبب عالميا). علينا أن نتفحّص أمورا أخرى، نقاطا (ومطالب؟) بديلة. بوضوح أكثر، "أفكارا" أخرى، وبوضوح أكثر وأكثر، "أفكارا أميركية" منتظرة. أحسنت العواصم الأربع، أقله في محاولة تبييض وجوه مسؤوليها ما أمكن، أنها أعلنت ستّ نقاط (العدد محبّب عالميا)، لا يجدها معلقٌ وصحافي متعجل، كما كاتب هذه السطور، خلافيةً، ولا يظن أن فيها ما يمكن الاعتراض عليه، بعيدا طبعا عن "اللوازم" إياها في مفتتح هذه النقاط، من الكلام الكبير عن "تعنت قطر"، ورفض قطر أي تسويات، فيما لم نصادف، منذ نشوب الأزمة وصعودها العالي فجر الخامس من حزيران الماضي، أي "تسويةٍ" مطروحة، أي أرضيةٍ تُبنى عليها أي "تسوية". ويمكن الاجتهاد بالقول إن أطروحة الدوحة استعدادها الإيجابي للحوار، وقبولها بحث أي ملفاتٍ أمنيةٍ محدّدة، أساسٌ يمكن العبور إليه نحو "أجواء تهدئة"، ثم إلى "إطار تسوية"، وصولا إلى "تسوية".
تأتي النقاط الست على الالتزام الكامل باتفاق الرياض 2013، والتكميلي لعام 2014، وهذه عتبةٌ صالحة، يمكن التدرّج منها لنزول رباعي الحصار عن الشجرة التي استعجلوا الصعود إليها. وإذ يطلّ وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، على المنطقة اليوم، ويزور الكويت والدوحة وعواصم أخرى، ومعه "أفكارٌ" لحل الأزمة، فذلك يعني أن عتباتٍ أخرى ستستجد في الأيام المقبلة، تساعد طبّاخي قرارات 5 حزيران على هبوط أسرع من الشجرة العالية.
إذن، لننتظر "أفكار" تيلرسون، ولننسَ المطالب الـ 13، "اللاغية" حكما، ولنتذكّر النقاط الست الجديدة، وبند اتفاق الرياض التكميلي فيها. وليأخذ مسار الدفع بهذا كله وقته، أسابيع أو بضعة شهور، لا مشكلة، فالتسوية مرجّحة، ما دامت الإشارات الخضراء إليها من البيت الأبيض صارت أوضح.