09 نوفمبر 2024
"تل الزعتر" ... كل هذا النسيان
كأَنك تحمل السلّم بالعرض، إذا ما استدعيتَ إلى البال، هنا، مقتلةً بعيدةً قضى فيها نحو ثلاثة آلاف فلسطيني، في مخيم تل الزعتر (السابق) للاجئين في بيروت (الشرقية)، بمناسبة اكتمال 38 عاماً، أمس، عليها. ارتكبتها ميليشياتٌ لبنانيةٌ معلومةُ الأسماء، برعايةٍ مباشرة من السلطة التي ما زالت حاكمةً في دمشق، وبإسناد إسرائيلي معلن، وأعقبها تدمير المخيم الذي كان قد أُنشئ في 1949، وآوى نحو 50 ألف فلسطيني. كأنها عباطةٌ، أو ضربٌ منها، أَنْ تذهب إلى تلك الجائحة، فيما سخونة الدم الفلسطيني الراهن في الشجاعية وخان يونس ودير البلح قدّامك، وحواليها محدلة التمويت التي لا يُراد لها أن تتوقف في سورية، وتُزهَق في أثنائها أرواح فلسطينيين، في غير مخيم وموضع.
لم تعمد جريدةٌ أو فضائيةٌ عربية، أمس، إلى مثل هذا التفلسف الذي تُبادر إليه الآن، وأنت تروح إلى تلك الرقعة من الذاكرة الفلسطينية، المثقلة بأرشيفٍ لم يعد يحتمل عدّ المذابح وجولات الفتك التي تتناوب على الفلسطينيين، في صبرا وشاتيلا ومخيم اليرموك وجنين ودير ياسين والفاخورة وكفر قاسم وبيت حانون، وأخرياتٍ كثيراتٍ تعصى على العدّ. ومحزنٌ أن لا يُحمى من النسيان كل هذا الدم الذي يصل شهداءَ عتمة الليالي الراهنة في قطاع غزة بسابقيهم منذ شهداء ثورة البراق قبل نحو 85 عاماً حتى مطالعة هذه السطور.
هناك، في ذلك المطرح الذي كان مخيماً، جاء "نمورٌ" وكتائبيون لكميل شمعون وبيار الجميل، وحاصروا ناسَه الفقراء أربعة شهور، بتجويعٍ شديد القسوة، ثم أعملوا القتل الذي تباروا في اقترافه، بمشاركة قوةٍ إسرائيلية كان يقودها وزيرٌ لاحقٌ للحرب في إسرائيل، وصار من أهم أصدقاء حسني مبارك، اسمه ديفيد أليعازر. وذلك كله برعايةٍ وإشرافٍ ومتابعةٍ وتغطيةٍ من القوات السورية التي كانت قد دخلت لبنان للتو. في سلوكٍ يتسق تماماً مع أرشيفٍ سابقٍ ولاحقٍ من مباذل نظام دمشق ومخازيه تجاه الشعب الفلسطيني. وهو نظامٌ قوميٌّ في سوءاته العربية، من حيث توزيعه سفالاتِه في القتل والاعتقال والخطف والترويع، كيفما اتفق، على مواطنيه السوريين، وعلى الفلسطينيين واللبنانيين، وتالياً العراقيين لمّا لزم الأمر.
أبدع فلسطينيون في نيويورك، عندما أقاموا هناك لوحة برونزيةً كتبوا عليها أسماء شهداء مذبحة دير ياسين، البلدة الفلسطينية الأقرب إلى نُصب "ياد فاشيم" لقتلى الهولوكست (!)، وأحسنت حركة حماس أنها أنجزت لوحة شرف بأسماء الشهداء ال 1411 الذين راحوا في عدوان 2009. ونظنها مهمةً ثقافيةً وتاريخيةً شديدة الإلحاح أَن تُصان أسماء الشهداء والجرحى والأسرى والمقاومين، فتُحفظ بما يلزم من شروط التوثيق الذي ينقذها من الضياع الشنيع. ولا تزيّد في حسبان النسيان الذي تُحاط به مقتلة تل الزعتر، بغرضٍ أو من دونه، تواطؤاً مع القتلة ومعاونيهم، وإنْ وقع بعضهم على وجاهةٍ في القول إِنَّ النبش في ماضي الحرب الأهلية اللبنانية يفتح زوبعة تفاصيلَ محرجةٍ للجميع، وتصيب الجميع، فلسطينيين ولبنانيين وسوريين.
إنه الانحياز ضد التعمية بكل تلاوينها، البعثية البغيضة، والفلسطينية المرتجفة، واللبنانية المتورمة، ما يجعل إدانة كل هذا النسيان لمجزرة تل الزعتر في محلها، وغير عبيطةٍ أبداً، وإن كان المُصاب في الراهن، الموثّق بالبث المباشر والخبر العاجل والصور الفادحة الحمرة، ثقيلاً وعظيماً. ولأن نحو ألفي فلسطيني قتلتهم، في المحنة السورية الراهنة، براميل نظام دمشق وقذائفه ورصاصه، (عددٌ منهم قضوا بغاز السارين في الغوطة صيف العام الماضي)، فإن من الوفاء الواجب لهم أن نذكرَهم موصولين بالذين أودى بهم من يسّروا لفاشية اليمين اللبناني العنصري إياه جريمتها في تل الزعتر... ذلك حين نذكُرهم، في غضون كل هذا النسيان الذي حفَّ بهم، في ذكرى قتلهم أمس.
لم تعمد جريدةٌ أو فضائيةٌ عربية، أمس، إلى مثل هذا التفلسف الذي تُبادر إليه الآن، وأنت تروح إلى تلك الرقعة من الذاكرة الفلسطينية، المثقلة بأرشيفٍ لم يعد يحتمل عدّ المذابح وجولات الفتك التي تتناوب على الفلسطينيين، في صبرا وشاتيلا ومخيم اليرموك وجنين ودير ياسين والفاخورة وكفر قاسم وبيت حانون، وأخرياتٍ كثيراتٍ تعصى على العدّ. ومحزنٌ أن لا يُحمى من النسيان كل هذا الدم الذي يصل شهداءَ عتمة الليالي الراهنة في قطاع غزة بسابقيهم منذ شهداء ثورة البراق قبل نحو 85 عاماً حتى مطالعة هذه السطور.
هناك، في ذلك المطرح الذي كان مخيماً، جاء "نمورٌ" وكتائبيون لكميل شمعون وبيار الجميل، وحاصروا ناسَه الفقراء أربعة شهور، بتجويعٍ شديد القسوة، ثم أعملوا القتل الذي تباروا في اقترافه، بمشاركة قوةٍ إسرائيلية كان يقودها وزيرٌ لاحقٌ للحرب في إسرائيل، وصار من أهم أصدقاء حسني مبارك، اسمه ديفيد أليعازر. وذلك كله برعايةٍ وإشرافٍ ومتابعةٍ وتغطيةٍ من القوات السورية التي كانت قد دخلت لبنان للتو. في سلوكٍ يتسق تماماً مع أرشيفٍ سابقٍ ولاحقٍ من مباذل نظام دمشق ومخازيه تجاه الشعب الفلسطيني. وهو نظامٌ قوميٌّ في سوءاته العربية، من حيث توزيعه سفالاتِه في القتل والاعتقال والخطف والترويع، كيفما اتفق، على مواطنيه السوريين، وعلى الفلسطينيين واللبنانيين، وتالياً العراقيين لمّا لزم الأمر.
أبدع فلسطينيون في نيويورك، عندما أقاموا هناك لوحة برونزيةً كتبوا عليها أسماء شهداء مذبحة دير ياسين، البلدة الفلسطينية الأقرب إلى نُصب "ياد فاشيم" لقتلى الهولوكست (!)، وأحسنت حركة حماس أنها أنجزت لوحة شرف بأسماء الشهداء ال 1411 الذين راحوا في عدوان 2009. ونظنها مهمةً ثقافيةً وتاريخيةً شديدة الإلحاح أَن تُصان أسماء الشهداء والجرحى والأسرى والمقاومين، فتُحفظ بما يلزم من شروط التوثيق الذي ينقذها من الضياع الشنيع. ولا تزيّد في حسبان النسيان الذي تُحاط به مقتلة تل الزعتر، بغرضٍ أو من دونه، تواطؤاً مع القتلة ومعاونيهم، وإنْ وقع بعضهم على وجاهةٍ في القول إِنَّ النبش في ماضي الحرب الأهلية اللبنانية يفتح زوبعة تفاصيلَ محرجةٍ للجميع، وتصيب الجميع، فلسطينيين ولبنانيين وسوريين.
إنه الانحياز ضد التعمية بكل تلاوينها، البعثية البغيضة، والفلسطينية المرتجفة، واللبنانية المتورمة، ما يجعل إدانة كل هذا النسيان لمجزرة تل الزعتر في محلها، وغير عبيطةٍ أبداً، وإن كان المُصاب في الراهن، الموثّق بالبث المباشر والخبر العاجل والصور الفادحة الحمرة، ثقيلاً وعظيماً. ولأن نحو ألفي فلسطيني قتلتهم، في المحنة السورية الراهنة، براميل نظام دمشق وقذائفه ورصاصه، (عددٌ منهم قضوا بغاز السارين في الغوطة صيف العام الماضي)، فإن من الوفاء الواجب لهم أن نذكرَهم موصولين بالذين أودى بهم من يسّروا لفاشية اليمين اللبناني العنصري إياه جريمتها في تل الزعتر... ذلك حين نذكُرهم، في غضون كل هذا النسيان الذي حفَّ بهم، في ذكرى قتلهم أمس.