جائزة قاسم سليماني للأدب ..
أمّا وأن معمّر القذافي وجد من يأخذه على محمل الجدّ لمّا اخترع جائزة القذافي العالمية لحقوق الإنسان، وفاز بها مرّة الأميركيون الأصليون (!)، وأيضا لمّا اخترَع جائزته العالمية للآداب، واستحقّها مرّة داعية التنوير الذي لا يُجارى، جابر عصفور. أمّا وأن محمد دحلان لقي أيضا من يقبضه على محمل الجدّ لمّا ابتكر جائزته للتميّز والإبداع، وتقدّم لها 761 متنافسا في دورتها الأولى (ربما الوحيدة؟)، ونالها عشرة في عشرة فروع (أحدها الفنون الاستعراضية!). أين هي، إذن، أوجه الغرابة في إطلاق جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية (نعم هكذا) جائزة الشهيد قاسم سليماني للإبداع في الفن التشكيلي والشعر (عن رمزية سليماني وشخصيته)؟ وهل من غرابةٍ في إشهار مهرجان سينما الحقيقة للأفلام الوثائقية في إيران جائزة الشهيد الحاج قاسم سليماني، وفي تخصيص مهرجان فجر السينمائي الإيراني جائزة القائد الشهيد قاسم سليماني لأفضل فيلمٍ عن الجهاد والمقاومة، وفي إطلاق المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران (هذا اسمه) جائزة قاسم سليماني العالمية للتضحية؟ وما الداعي لاستهجان تشكيل الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، مجلسا من 19 عضوا لوضع السياسات لجائزة اللواء قاسم سليماني العالمية (تضم ممثلا عن حركة الجهاد الإسلامي)؟
يذكّر بما جاء أعلاه إعلان "جمعية أسفار للثقافة والفنون والإعلام" في لبنان، أخيرا، إطلاق الدورة الثانية من "جائزة قاسم سليماني العالمية للأدب المقاوم"، والتي كان قد جرى احتفال في بيروت، لتكريم الفائزين في دورتها الأولى، برعاية الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بحضور شخصياتٍ من الحزب وأنصاره، وقدّم عريف المناسبة الممثل السوري، أيمن زيدان، أسماء الفائزين، وهم ثلاثةٌ في كل واحدةٍ من فئات الجائزة الثلاث، القصيدة العمودية والشعر والرواية. ويحرز كل فائز مسكوكاتٍ ذهبية، 60 للأول 40 للثاني و20 للثالث. وقد جرى أخيرا إشهار أسماء بقية العشرة الأوائل ونيلهم جوائز ترضية. وقد بدا العزوف عن تقديم مبالغ نقدية بالدولار تعبيرا عن رفض هذه العملة الأميركية. وفيما الفائزون من لبنان وسورية وفلسطين والجزائر والعراق، فإن القائمين على الجائزة مطالَبون بالتواضع بعض الشيء، فلا يُبقون تسميتها "عالمية".
كان مهما أن ذلك الحفل أشهر أسماء أعضاء لجان التحكيم. وربما يستثير أرطالا من الاستهجان أن تصادف من بين هؤلاء مشتغلين بالإبداع والفنون، أي بالجمال بداهةً، بالحرية والاحتفال بالحياة أولا وأخيرا، فيما الجائزة الركيكة هذه تحمل اسم شخصٍ احترف الدفاع عن المستبدّين والمذهبيين، بل وتوتير الحروب الأهلية من أجلهم، وباسم محاربة الإرهابيين، رفع بيارق المقاومة ضد من لا نعرف من هم، وشارك في قتل آمنين اشتاقوا إلى بعض حريةٍ في سورية، وفي استهداف عراقيين تحت راياتٍ متعصّبة أعلاها. اختار الروائي الفلسطيني، رشاد أبو شاور، والشاعران اللبنانيان محمد علي شمس الدين واسكندر حبش، أن يكونوا من بين ناس جائزة قاسم سليماني (العالمية!) هذه، الرجل المشهود له بملكاتِه المعلومة في إنشاء المليشيات وتسليحها والمرابطة معها عند خطوط التماسّ مع خطوط التقسيمات العنصرية والطائفية في العراق ولبنان (واليمن). لقد ارتضى الثلاثة (ومعهم صادق الصكر من العراق ومحمد القاضي من تونس وحسن م يوسف من سورية وأحمد بخيت من مصر وعلي نسر من لبنان وياسين بن عبيد من الجزائر) استخدامهم أدواتٍ في مشروع قاسم سليماني الذي يتولاه حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وعصائب الحق وجماعات الحشد الشعبي، المذهبي في العراق. وكان الأدعى من أولئك، قبل أن يلتحقوا بالذي يضجّ به اسم قاسم سليماني المشهور بمنازعته العروبة وعدائه العرب والاستقواءٍ على بلدانهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، والاكتفاء بالزعبرة اللفظية أمام الوحش الإسرائيلي، أن يشلحوا صفاتهم شعراء وكتّاب أدب.
مقادير الإساءة كبيرة في جائزةٍ في الأدب تحمل اسم قاسم سليماني، وكلُّ أدبٍ حقيقيٍّ وجميلٍ مقاومٌ، بداهةً، للقباحة، والعنصرية، والتمويت، وهذه من بعض شمائل أقام عليها الجنرال الإيراني القتيل الذي أعمَل في سورية والعراق واليمن ما تحتاج الأمة العربية إلى مئات السنين لتتعافى منه .. ليصنعوا له في إيران ما شاءوا من جوائز في السينما وغيرها، ما دخلُ لبنان الذي كان مظلّة وارفةً للحريات والجمال والإبداع، ليتطوّع أبناءٌ منه لتعظيم هذا الرجل، ومنح سبائك ذهبٍ لمن يظنّونه قدوة نضال، ولاستقدام رشاد أبو شاور واسكندر حبش ومحمد علي شمش الدين ورهط مثلهم للإساءة للأدب والإبداع .. ما دخل لبنان؟