11 نوفمبر 2024
جدار العزل اللبناني
غريبٌ جداً أن يجهد واحدُنا نفسه في بحث مضنٍ، نحو أسبوعين، عن موقف معلن لما تسمى القيادة الفلسطينية، بشأن بدء الجيش اللبناني بناء جدار حول مخيم عين الحلوة قرب صيدا، لا تزيّد في نعته بأنه جدار فصل وعزل مرذول، فلا يعثر على هذا الموقف، ثم يفاجئنا الجيش ببيانٍ يصدره يوم الجمعة الماضي، يفيد فيه بأنه أوقف بناء هذا الجدار "تجاوباً" مع القيادة هذه. ولأن سوء الظن من حسن الفطن، لا يفتري من تابع هذا الملف، في الأيام الماضية، على الفصائل الفلسطينية في المخيم، عندما يصدّق بياناتٍ سابقةً للجيش اللبناني، ذكرت أن هذه الفصائل كانت قد وافقت على إقامة هذا الجدار الذي عمد الجيش إلى تسميته "سور حماية". ولأن الأخبار تواترت عن اتصالاتٍ قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، مع مسؤولين لبنانيين (الرؤساء نبيه بري وتمام سلام وسعد الحريري) من أجل وقف هذا الإجراء، ولأن قياداتٍ من "حماس" في لبنان رفعت صوتها، وتحرّكت في هذا الخصوص، فإنه يصير جائزاً الاستيضاح عن السبب الذي يمنع الإقرار بأن حركة المقاومة الإسلامية هي "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، طالما أن الممثل لهذا الشعب، والمفوّض بذلك في قرارٍ عربي شهير قبل 42 عاما، لا يزاول مقتضيات هذا التمثيل، حتى إذا جاء حديث الجيش اللبناني عن "القيادة الفلسطينية" ليثير التباساً بشأن هذا المسمّى، بعد أن مارست هذه القيادة صمتاً مكيناً، منذ ذاع أمر الجدار المقرر أن يستمر بناؤه 15 شهراً، وبكلفة 7 ملايين دولار، وبإشراف ضباط من الجيش اللبناني. ويحسن أن يمحض المرء ثناء مستحقاً لفعاليات فلسطينية ولبنانية عريضة واجهت هذا الإجراء المقيت بالرفض والاعتراض والتنديد، مع تأكيدها احترام إجراءات السلطات المختصة لحماية اللبنانيين واللاجئين من الإرهاب.
ستعمل "القيادة الفلسطينية" في الأسبوعين المقبلين، على ما أفاد بيان الجيش اللبناني، على إعداد صورةٍ شاملةٍ للتعامل مع الأوضاع الأمنية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً عين الحلوة. والمرجو أن يوفق الله أهل هذه القيادة في هذا الذي أنيط بها، وتبادر إلى اجتراح أنسب الصيغ والوسائل والأدوات التي تساهم في إنهاء هذا الملف الأمني العويص، والذي جعل مخيم عين الحلوة (80 ألف نسمة)، يعدّ "بؤرة إرهاب" متعبة، يحتمي فيه إرهابيون مشبوهون ومطلوبون وهاربون. ويستعصي على الجيش اللبناني ومخابراته، منذ سنوات، العثور على حلٍّ يخلّص سكان المخيم ومحيطه وجواره من وباء الإرهاب، بعد أن تناسلت فيه تنظيماتٌ إسلامية متشدّدة ("جند الشام" و"فتح الإسلام"، وغيرهما) في مناخ العزل والتهميش والفقر والحرمان وانعدام الحضور الفلسطيني القيادي الجامع، وما إلى ذلك من أسبابٍ ضاعفت من خطورة ظاهرة الفلتان الأمني، والتي نجمت عنها اشتباكات ومصادمات فلسطينية فلسطينية داخلية، وأخرى مع قوى الأمن والجيش اللبنانية، سقط فيها ضحايا غير قليلين.
لا يسوّغ التسليم بخطورة هذا الحال توسّل الجدران والأسلاك الشائكة والبلوكات الإسمنتية العالية (أربعة أمتار) حلاً أمنياً في مواجهة الخطر الماثل والظاهر، وكذا المحتمل وغير المستبعد، ليس فقط لما يحيل إليه الاستنجاد بالجدران من استدعاء جدار الضم العنصري الإسرائيلي إلى البال، بل أيضاً بسبب الخشية من اعتماد هذه الصيغة البغيضة في التعامل مع مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، والتي يعدّ "عين الحلوة" بينها الأكثر توتّراً، والأقل أماناً، وهو الذي ضمّ 15 ألف لاجئ، عند إنشائه، في عام 1948، وصار حالياً يضم نحو مائة ألف، بينهم 54 ألفاً فقط مسجلون في "أونروا".
لم تكن زفرة غضبٍ من حانقين أنهم أطلقوا على هذا الجدار السيئ الذكر "جدار العار"، ولم يكن الزعل الفلسطيني التقليدي المديد هو ما استدعى، في معرض استنكار هذا الإجراء، الإتيان على النموذج الإسرائيلي إياه، والتأشير إلى الجدار مع المكسيك الذي يقيم في دماغ دونالد ترامب، ليس الأمر هو هذا وذاك، وإنما هو الحال الفلسطيني الذي لا ينفكّ يتردّى، وفي لبنان ينجم من تنويعاته العجيبة والغريبة ما يستعصي أحياناً على الخيال، ومن جديده ما طالعنا في الأيام القليلة الماضية، عن جدارٍ وسور حماية .. وعن قيادة فلسطينية أيضاً.
ستعمل "القيادة الفلسطينية" في الأسبوعين المقبلين، على ما أفاد بيان الجيش اللبناني، على إعداد صورةٍ شاملةٍ للتعامل مع الأوضاع الأمنية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً عين الحلوة. والمرجو أن يوفق الله أهل هذه القيادة في هذا الذي أنيط بها، وتبادر إلى اجتراح أنسب الصيغ والوسائل والأدوات التي تساهم في إنهاء هذا الملف الأمني العويص، والذي جعل مخيم عين الحلوة (80 ألف نسمة)، يعدّ "بؤرة إرهاب" متعبة، يحتمي فيه إرهابيون مشبوهون ومطلوبون وهاربون. ويستعصي على الجيش اللبناني ومخابراته، منذ سنوات، العثور على حلٍّ يخلّص سكان المخيم ومحيطه وجواره من وباء الإرهاب، بعد أن تناسلت فيه تنظيماتٌ إسلامية متشدّدة ("جند الشام" و"فتح الإسلام"، وغيرهما) في مناخ العزل والتهميش والفقر والحرمان وانعدام الحضور الفلسطيني القيادي الجامع، وما إلى ذلك من أسبابٍ ضاعفت من خطورة ظاهرة الفلتان الأمني، والتي نجمت عنها اشتباكات ومصادمات فلسطينية فلسطينية داخلية، وأخرى مع قوى الأمن والجيش اللبنانية، سقط فيها ضحايا غير قليلين.
لا يسوّغ التسليم بخطورة هذا الحال توسّل الجدران والأسلاك الشائكة والبلوكات الإسمنتية العالية (أربعة أمتار) حلاً أمنياً في مواجهة الخطر الماثل والظاهر، وكذا المحتمل وغير المستبعد، ليس فقط لما يحيل إليه الاستنجاد بالجدران من استدعاء جدار الضم العنصري الإسرائيلي إلى البال، بل أيضاً بسبب الخشية من اعتماد هذه الصيغة البغيضة في التعامل مع مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، والتي يعدّ "عين الحلوة" بينها الأكثر توتّراً، والأقل أماناً، وهو الذي ضمّ 15 ألف لاجئ، عند إنشائه، في عام 1948، وصار حالياً يضم نحو مائة ألف، بينهم 54 ألفاً فقط مسجلون في "أونروا".
لم تكن زفرة غضبٍ من حانقين أنهم أطلقوا على هذا الجدار السيئ الذكر "جدار العار"، ولم يكن الزعل الفلسطيني التقليدي المديد هو ما استدعى، في معرض استنكار هذا الإجراء، الإتيان على النموذج الإسرائيلي إياه، والتأشير إلى الجدار مع المكسيك الذي يقيم في دماغ دونالد ترامب، ليس الأمر هو هذا وذاك، وإنما هو الحال الفلسطيني الذي لا ينفكّ يتردّى، وفي لبنان ينجم من تنويعاته العجيبة والغريبة ما يستعصي أحياناً على الخيال، ومن جديده ما طالعنا في الأيام القليلة الماضية، عن جدارٍ وسور حماية .. وعن قيادة فلسطينية أيضاً.