01 نوفمبر 2024
جنرال الكلام: لا حرب ولا سلام
صيف العام 1977، وتحديدًا يوم 21 يوليو/ تموز، قبل أن يدير ظهره للوطن العربي، ويذهب إلى العدو الصهيوني، قرّر أنور السادات أن يمهد للزيارة بحربٍ حمقاء مع الشقيقة ليبيا، استمرت أربعة أيام، وأسفرت عن قتلى وجرحى، وإسقاط طائرات من الجانبين، قبل أن يتولى الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، مباحثات التهدئة التي انتهت بوقف أعمال القتال وسحب القوات المصرية. وذهبت تقديراتٌ إلى أن تلك الحماقة كلفت مصر نحو 100 جندي، وإسقاط أربع طائرات "ميغ - 21"، فيما خسرت ليبيا 400 جندي، 60 دبابة و20 طائرة ميراج.
كان ذلك في جوهره إعلان وفاة ما يسمّى "الأمن القومي"، والتحول إلى مفهوم جديد هو "الأمن الوطني"، أو "الأمن القُطري"، إذ ولّت إلى غير رجعة فكرة أمن قومي موحد لمجموع الدول والشعوب العربية، ودخلت كل دولةٍ قوقعتها الوطنية، وإنْ بقيت أغنيات وشعارات الوحدة والمصير الواحد تنطلق من حين إلى آخر عبر الأثير.
حتى على مستوى المسميات، لم تخلُ الأمور من أشياء صغيرة ذات دلالاتٍ لا تخفى على أحد. وعلى سبيل المثال بعد أن كان منتخب كرة القدم هو "الفريق القومي"، صار اسمه "المنتخب الوطني". وبالتالي صرت لا أفهم تسمية "الأمن القومي" يردّدها حاكم عربي إلا بوصفه تعبيرًا عن أمنه الخاص، فما بالك عندما يكون هذا الحاكم نبتًا شيطانيًا زرع بتكنولوجيا ومواصفات صهيونية، في التربة المصرية، مكلفًا بالإجهاز علي ما تبقى من آثار مفهوم الأمن القومي العربي، وتلقين الجيل الجديد من الحكام الصغار أن "إسرائيل مصدر السلطات" في النمط الجديد من الدول العربية، في الشرق الأوسط الجديد.
بين حماقة أنور السادات، بالعدوان على ليبيا، التي كان محكومةً بمستبدٍّ لا يقل حمقًا، وتلويح عبدالفتاح السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا، ثلاثة وأربعون عامًا، صارت إسرائيل خلالها أكثر تغلغلًا في عمق القرار السياسي والعسكري المصري، وأشد تأثيرًا في تحديد اتجاه حركته، على النحو الذي يحقق لها أحلامها في الهيمنة، من خلال تشكيل محور تابع لها، نظام السيسي في صدارته، ويضم سلطة السعودية الجديدة، ومعها الإمارات والبحرين، أو ما يعرف بمعسكر "اعتدال" الذي أوضحت سابقًا أنه أغلى بنات أفكار بنيامين نتنياهو، وأعز حفيدات أفكار شيمون بيريز.
من دون مواربةٍ، يعلن عبد الفتاح السيسي في مهرجان عسكري كبير، قرب الحدود الليبية، أنه يعتزم التدخل عسكريًا في الأراضي الليبية، ويعرض بصراحةً، أو بوقاحة، على قسم من الشعب الليبي أن يسلموه أبناءهم، لكي يدربهم ويسلحهم ويعيدهم لكي يحاربوا قسمًا آخر من الشعب الليبي، في إطار مشروعه الجنوني لتقسيم ليبيا إنسانيًا وجغرافيًا، ودفعها إلي حرب أهلية لن تتوقف عند الحدود الليبية، بل يُراد لها أن تتمدّد غربًا، لتنتقل إلى الشمال الأفريقي العربي كله.
تخيّل معي لو عكسنا الآية، وخرج حاكم نظام عربي مخاطبًا قطاعًا من الشعب المصري أن يرسل شبابه للتدريب على الحرب الأهلية، والعودة بالسلاح لقتال قطاع آخر من المصريين.. ماذا يمكن أن نسمي ذلك سوى أنه امتهانٌ لمصر، دولة وشعبًا وتاريخًا وجغرافيا؟
الأسوأ من ذلك أن التهديد أو التلويح أو حتى التهويش بالدفع بالجيش المصري إلى بحر الرمال الليبية هو احتقار وعبث طفولي بكل القيم الوطنية والعسكرية المصرية لصالح جنرال يمتلئ بالبلادة السياسية والعسكرية، يبدو مثل تلميذٍ خائبٍ مطلوب منه في امتحان مادة الحساب عن حاصل ضرب 17 في 19 فيرد بالآتي: كان: اسم فاعل.. أو تسأله عن موقع إثيوبيا، فتكون إجابته بنغازي خط أحمر.
الحاصل أن ذهاب السيسي غربًا ليس فقط تهرّبا من واجب التصدي لخطر الجنوب، لكنه قبل ذلك هو نوع من التوغل في العمق الداخلي، بما يجعل حديثه عن القوة العسكرية الباطشة رسالةً إلى الداخل، قبل أن تكون موجهة إلى الخارج، فالجنرال الذي انتزع السلطة بمذبحة لم يخض حربًا إلا ضد شعبه، تحت مظلة "الحرب على الإرهاب" التي استخدمت لقتل آلاف من المصريين، جنودًا ومدنيين، في الدلتا وسيناء، ليستمر تحالف الطغيان والإرهاب في الحياة فوق الجثث والخرائط.
مرة أخرى، من أهدر دماء المصريين، ليس مؤهلًا للدفاع عن مياه النيل، وكل ما تراه من استعراض للقوة والتلويح بها موجه إلى الداخل، ليس المقصود به سد النهضة، وإنما الإبقاء على سدود الخوف واليأس عالية.. ومن ثم فلا حرب ولا سلام. فقط تدمير وهدم للحاضر والمستقبل.
كان ذلك في جوهره إعلان وفاة ما يسمّى "الأمن القومي"، والتحول إلى مفهوم جديد هو "الأمن الوطني"، أو "الأمن القُطري"، إذ ولّت إلى غير رجعة فكرة أمن قومي موحد لمجموع الدول والشعوب العربية، ودخلت كل دولةٍ قوقعتها الوطنية، وإنْ بقيت أغنيات وشعارات الوحدة والمصير الواحد تنطلق من حين إلى آخر عبر الأثير.
حتى على مستوى المسميات، لم تخلُ الأمور من أشياء صغيرة ذات دلالاتٍ لا تخفى على أحد. وعلى سبيل المثال بعد أن كان منتخب كرة القدم هو "الفريق القومي"، صار اسمه "المنتخب الوطني". وبالتالي صرت لا أفهم تسمية "الأمن القومي" يردّدها حاكم عربي إلا بوصفه تعبيرًا عن أمنه الخاص، فما بالك عندما يكون هذا الحاكم نبتًا شيطانيًا زرع بتكنولوجيا ومواصفات صهيونية، في التربة المصرية، مكلفًا بالإجهاز علي ما تبقى من آثار مفهوم الأمن القومي العربي، وتلقين الجيل الجديد من الحكام الصغار أن "إسرائيل مصدر السلطات" في النمط الجديد من الدول العربية، في الشرق الأوسط الجديد.
بين حماقة أنور السادات، بالعدوان على ليبيا، التي كان محكومةً بمستبدٍّ لا يقل حمقًا، وتلويح عبدالفتاح السيسي بالتدخل العسكري في ليبيا، ثلاثة وأربعون عامًا، صارت إسرائيل خلالها أكثر تغلغلًا في عمق القرار السياسي والعسكري المصري، وأشد تأثيرًا في تحديد اتجاه حركته، على النحو الذي يحقق لها أحلامها في الهيمنة، من خلال تشكيل محور تابع لها، نظام السيسي في صدارته، ويضم سلطة السعودية الجديدة، ومعها الإمارات والبحرين، أو ما يعرف بمعسكر "اعتدال" الذي أوضحت سابقًا أنه أغلى بنات أفكار بنيامين نتنياهو، وأعز حفيدات أفكار شيمون بيريز.
من دون مواربةٍ، يعلن عبد الفتاح السيسي في مهرجان عسكري كبير، قرب الحدود الليبية، أنه يعتزم التدخل عسكريًا في الأراضي الليبية، ويعرض بصراحةً، أو بوقاحة، على قسم من الشعب الليبي أن يسلموه أبناءهم، لكي يدربهم ويسلحهم ويعيدهم لكي يحاربوا قسمًا آخر من الشعب الليبي، في إطار مشروعه الجنوني لتقسيم ليبيا إنسانيًا وجغرافيًا، ودفعها إلي حرب أهلية لن تتوقف عند الحدود الليبية، بل يُراد لها أن تتمدّد غربًا، لتنتقل إلى الشمال الأفريقي العربي كله.
تخيّل معي لو عكسنا الآية، وخرج حاكم نظام عربي مخاطبًا قطاعًا من الشعب المصري أن يرسل شبابه للتدريب على الحرب الأهلية، والعودة بالسلاح لقتال قطاع آخر من المصريين.. ماذا يمكن أن نسمي ذلك سوى أنه امتهانٌ لمصر، دولة وشعبًا وتاريخًا وجغرافيا؟
الأسوأ من ذلك أن التهديد أو التلويح أو حتى التهويش بالدفع بالجيش المصري إلى بحر الرمال الليبية هو احتقار وعبث طفولي بكل القيم الوطنية والعسكرية المصرية لصالح جنرال يمتلئ بالبلادة السياسية والعسكرية، يبدو مثل تلميذٍ خائبٍ مطلوب منه في امتحان مادة الحساب عن حاصل ضرب 17 في 19 فيرد بالآتي: كان: اسم فاعل.. أو تسأله عن موقع إثيوبيا، فتكون إجابته بنغازي خط أحمر.
الحاصل أن ذهاب السيسي غربًا ليس فقط تهرّبا من واجب التصدي لخطر الجنوب، لكنه قبل ذلك هو نوع من التوغل في العمق الداخلي، بما يجعل حديثه عن القوة العسكرية الباطشة رسالةً إلى الداخل، قبل أن تكون موجهة إلى الخارج، فالجنرال الذي انتزع السلطة بمذبحة لم يخض حربًا إلا ضد شعبه، تحت مظلة "الحرب على الإرهاب" التي استخدمت لقتل آلاف من المصريين، جنودًا ومدنيين، في الدلتا وسيناء، ليستمر تحالف الطغيان والإرهاب في الحياة فوق الجثث والخرائط.
مرة أخرى، من أهدر دماء المصريين، ليس مؤهلًا للدفاع عن مياه النيل، وكل ما تراه من استعراض للقوة والتلويح بها موجه إلى الداخل، ليس المقصود به سد النهضة، وإنما الإبقاء على سدود الخوف واليأس عالية.. ومن ثم فلا حرب ولا سلام. فقط تدمير وهدم للحاضر والمستقبل.